وَيُبَاشِرُونَ أَذَاهُ بِالْأَيْدِي وَالْأَلْسُنِ، وَلَمَّا ظَهَرَ الْإِسْلَامُ وَانْتَشَرَ، كَانَ الْمُقْتَضِي لِلْمُعَادَاةِ أَضْعَفَ، وَالْقُدْرَةُ عَلَيْهَا أَضْعَفَ، وَمِنَ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ تَرَكَ الْمُعَادَاةَ أَوَّلًا، ثُمَّ عَادَاهُ ثَانِيًا لَمْ يَكُنْ إِلَّا لِتَغَيُّرِ (?) إِرَادَتِهِ أَوْ قُدْرَتِهِ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْمُعَادَاةِ كَانَتْ أَوَّلًا أَقْوَى، وَالْمُوجِبُ لِإِرَادَةِ الْمُعَادَاةِ كَانَ أَوَّلًا أَوْلَى، وَلَمْ يَتَجَدَّدْ عِنْدَهُمْ مَا يُوجِبُ تَغَيُّرَ إِرَادَتِهِمْ، وَلَا قُدْرَتِهِمْ، فَعُلِمَ يَقِينًا أَنَّ الْقَوْمَ لَمْ يَتَجَدَّدْ (عِنْدَهُمْ) (?) مَا يُوجِبُ الرِّدَّةَ عَنْ دِينِهِمُ الْبَتَّةَ، وَالَّذِينَ ارْتَدُّوا بَعْدَ مَوْتِهِ إِنَّمَا كَانُوا مِمَّنْ أَسْلَمَ بِالسَّيْفِ كَأَصْحَابِ مُسَيْلِمَةَ وَأَهْلِ نَجْدٍ، فَأَمَّا الْمُهَاجِرُونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا طَوْعًا فَلَمْ يَرْتَدَّ مِنْهُمْ - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ - أَحَدٌ، وَأَهْلُ مَكَّةَ لَمَّا أَسْلَمُوا بَعْدَ فَتْحِهَا هَمَّ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ بِالرِّدَّةِ، ثُمَّ ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ بِسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو.
وَأَهْلُ الطَّائِفِ لَمَّا حَاصَرَهُمْ (?) النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ فَتْحِ مَكَّةَ، ثُمَّ رَأَوْا ظُهُورَ الْإِسْلَامِ فَأَسْلَمُوا مَغْلُوبِينَ فَهَمُّوا بِالرِّدَّةِ فَثَبَّتَهُمُ (?) اللَّهُ بِعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ.
فَأَمَّا أَهْلُ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّمَا أَسْلَمُوا طَوْعًا، وَالْمُهَاجِرُونَ مِنْهُمْ، وَالْأَنْصَارُ، وَهُمْ قَاتَلُوا النَّاسَ عَلَى الْإِسْلَامِ، وَلِهَذَا لَمْ يَرْتَدَّ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَحَدٌ، بَلْ ضَعُفَ غَالِبُهُمْ بِمَوْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَذَلَّتْ أَنْفُسُهُمْ عَنِ الْجِهَادِ عَلَى دِينِهِ حَتَّى ثَبَّتَهُمُ اللَّهُ، وَقَوَّاهُمْ بِأَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَعَادُوا إِلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ مِنْ قُوَّةِ الْيَقِينِ،