وَالتَّمْيِيزِ بَيْنَ صِدْقِهَا وَكَذِبِهَا، وَصَوَابِهَا وَخَطَئِهَا، فَضْلًا عَنِ الْعَامَّةِ، وَقَدْ عُلِمَ مِنْ حَيْثُ الْجُمْلَةُ أَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْهُ صِدْقٌ وَمِنْهُ كَذِبٌ، وَلَيْسَ لَهُمْ خِبْرَةُ أَهْلِ الْمَعْرِفَةِ عُلَمَاءِ الْحَدِيثِ، فَهَؤُلَاءِ يَحْتَاجُونَ فِي الِاسْتِدْلَالِ عَلَى الصِّدْقِ وَالْكَذِبِ إِلَى طُرُقٍ أُخْرَى.
وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ، عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى، أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى، الَّذِي أَخْرَجَ النَّاسَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَجَعَلَ لَهُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ، يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ بِمَا تَيَسَّرَ لَهُ (?) مِنَ الْأَدِلَّةِ الَّتِي تُبَيِّنُ لَهُ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَالصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ.
كَمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْإِلَهِيِّ: " «يَا عِبَادِي كُلُّكُمْ ضَالٌّ إِلَّا مَنْ هَدَيْتُهُ، فَاسْتَهْدُونِي أَهْدِكُمْ» " (?) وَلِهَذَا تَنَوَّعَتِ الطُّرُقُ الَّتِي بِهَا يُعْلَمُ الصِّدْقُ مِنَ الْكَذِبِ حَتَّى فِي أَخْبَارِ الْمُخْبِرِ عَنْ نَفْسِهِ بِأَنَّهُ (?) رَسُولُ اللَّهِ، وَهُوَ دَعْوَى النُّبُوَّةِ. فَالطُّرُقُ (?) الَّتِي يُعْلَمُ بِهَا صِدْقُ الصَّادِقِ، وَكَذِبُ الْمُتَنَبِّئِ الْكَذَّابِ كَثِيرَةٌ مُتَنَوِّعَةٌ، كَمَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَيْهِ (?) فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَكَذَلِكَ مَا يُعْلَمُ بِهِ صِدْقُ الْمَنْقُولِ عَنِ الرَّسُولِ وَكَذِبُهُ يَتَعَدَّدُ وَيَتَنَوَّعُ، وَكَذَلِكَ مَا بِهِ يُعْلَمُ صِدْقُ الَّذِينَ حَمَلُوا الْعِلْمَ، فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ صِدْقَ مِثْلِ مَالِكٍ، وَالثَّوْرِيِّ، وَشُعْبَةَ، وَيَحْيَى