الْوَجْهُ السَّابِعُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ قَالُوا بِقِدَمِ الْعَالَمِ عَنْ عِلَّةٍ قَدِيمَةٍ، قَالُوا مَعَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ فِي نَفْسِهِ مُمْكِنٌ، لَيْسَ لَهُ وُجُودٌ مِنْ نَفْسِهِ، وَإِنَّمَا وُجُودُهُ مِنْ مُبْدِعِهِ، فَوَصَفُوا الْمَوْجُودَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، الْوَاجِبَ بِغَيْرِهِ، بِأَنَّهُ مُمْكِنُ الْوُجُودِ. فَخَالَفُوا بِذَلِكَ طَرِيقَ سَلَفِهِمْ وَمَا عَلَيْهِ عَامَّةُ بَنِي آدَمَ مِنْ أَنَّ الْمُمْكِنَ لَا يَكُونُ إِلَّا مَعْدُومًا، وَلَا يُعْقَلُ مَا يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَأَنْ لَا يُوجَدَ إِلَّا مَا كَانَ مَعْدُومًا. وَهَذَا قَوْلُ أَرِسْطُو وَقُدَمَاءِ الْفَلَاسِفَةِ، وَلَكِنَّ ابْنَ سِينَا وَأَتْبَاعَهُ خَالَفُوا هَؤُلَاءِ. وَقَدْ تَعَقَّبَ ذَلِكَ عَلَيْهِمُ ابْنُ رُشْدٍ وَغَيْرُهُ، وَقَالُوا: إِنَّهُ لَا يَعْقِلُ الْمُمْكِنَ إِلَّا مَا أَمْكَنَ وُجُودُهُ وَأَمْكَنَ عَدَمُهُ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا وَأَنْ يَكُونَ مَعْدُومًا، أَيْ مُسْتَمِرُّ الْعَدَمِ.

وَلِهَذَا قَالُوا: إِنَّ الْمُمْكِنَ (?) لَا بُدَّ لَهُ مِنْ مَحَلٍّ، كَمَا يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ تَحْمِلَ الْمَرْأَةُ (?) وَأَنْ تُنْبِتَ الْأَرْضُ وَأَنْ يَتَعَلَّمَ الصَّبِيُّ، فَمَحَلُّ الْإِمْكَانِ هُوَ الرَّحِمُ وَالْأَرْضُ وَالْقَلْبُ، فَيُمْكِنُ أَنْ يَحْدُثَ فِي هَذِهِ الْمَحَالِّ (?) مَا هِيَ قَابِلَةٌ لَهُ مِنَ الْحَرْثِ وَالنَّسْلِ وَالْعِلْمِ.

أَمَّا الشَّيْءُ الَّذِي لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ - إِمَّا بِنَفْسِهِ وَإِمَّا بِغَيْرِهِ - فَكَيْفَ يُقَالُ: يُمْكِنُ أَنْ يُوجَدَ وَيُمْكِنَ أَنْ لَا يُوجَدَ؟ وَإِذَا قِيلَ: هُوَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ. [قِيلَ] (?) : إِنْ أَرَدْتُمْ بِذَاتِهِ مَا هُوَ مَوْجُودٌ فِي الْخَارِجِ فَذَاكَ لَا يَقْبَلُ الْأَمْرَيْنِ، فَإِنَّ الْوُجُودَ الْوَاجِبَ بِغَيْرِهِ لَا يَقْبَلُ الْعَدَمَ، إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا أَنَّهُ يَقْبَلُ أَنْ يُعْدَمَ بَعْدَ وُجُودِهِ، وَحِينَئِذٍ فَلَا يَكُونُ وَاجِبًا بِغَيْرِهِ دَائِمًا، فَمَتَى قَبِلَ الْعَدَمَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015