الْعَقْلِ مَا يَدُلُّ عَلَى [شَيْءٍ مِنْ] (?) ذَلِكَ؟ وَأَنْتُمْ فَجَمِيعُ مَا تَذْكُرُونَهُ أَنْتُمْ وَأَمْثَالُكُمْ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى دَوَامِ الْفِعْلِ، لَا عَلَى دَوَامِ فِعْلٍ مُعَيَّنٍ، وَلَا مَفْعُولٍ مُعَيَّنٍ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ دَوَامُ الْفَلَكِ أَوْ مَادَّةُ الْفَلَكِ (?) أَوِ الْعُقُولُ أَوِ النُّفُوسُ أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ، مِمَّا يَقُولُ الْقَائِلُونَ بِالْقِدَمِ: إِنَّهُ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ مُقَارِنًا لِلرَّبِّ تَعَالَى قَدِيمًا بِقِدَمِهِ أَبَدِيًّا بِأَبَدِيَّتِهِ؟ .
فَيُخَاطِبُونَ أَوَّلًا مُخَاطَبَةَ الْمُطَالَبَةِ بِالدَّلِيلِ، وَلَيْسَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ دَلِيلٌ صَحِيحٌ أَصْلًا (?) ، بَلْ إِنَّمَا طَمِعُوا فِي مُنَاظَرَتِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ وَالْفَلْسَفَةِ (?) الَّذِينَ قَالُوا: إِنَّ جِنْسَ الْكَلَامِ وَالْفِعْلِ صَارَ مُمْكِنًا بَعْدَ أَنْ كَانَ مُمْتَنَعًا مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ، وَصَارَ الْفَاعِلُ قَادِرًا عَلَى ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ، وَأَنَّهُ يُحْدِثُ الْحَوَادِثَ لَا فِي زَمَانٍ، وَإِنَّهُ لَمْ يَزَلِ الْقَدِيمُ مُعَطَّلًا عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ، لَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَفْعَلُ مِنَ الْأَزَلِ، إِلَى أَنْ تَكَلَّمَ وَفَعَلَ (?) ، ثُمَّ يَقُولُ كَثِيرٌ مِنْهُمْ: إِنَّهُ يَتَعَطَّلُ عَنِ الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ فَتَفْنَى الْجَنَّةُ وَالنَّارُ، أَوْ تَفْنَى حَرَكَتُهُمَا، كَمَا قَالَهُ الْجَهْمُ بْنُ صَفْوَانَ فِي فَنَاءِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَكَمَا قَالَهُ أَبُو الْهُذَيْلِ [الْعَلَّافُ] (?) فِي فَنَاءِ الْحَرَكَاتِ. وَجَعَلُوا مُدَّةَ فِعْلِ الرَّبِّ وَكَلَامَهُ مُدَّةً فِي غَايَةِ الْقِلَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْأَزَلِ وَالْأَبَدِ.