فَمَا جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ عَنِ اللَّهِ فَهُوَ سُلْطَانٌ، فَالْقُرْآنُ (?) سُلْطَانٌ، وَالسُّنَّةُ سُلْطَانٌ، لَكِنْ لَا يُعْرَفُ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَاءَ بِهِ إِلَّا بِالنَّقْلِ الصَّادِقِ عَنِ اللَّهِ، فَكُلُّ مَنِ احْتَجَّ بِشَيْءٍ مَنْقُولٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ صِحَّتَهُ، قَبْلَ أَنْ يَعْتَقِدَ مُوجِبَهُ وَيَسْتَدِلَّ بِهِ. وَإِذَا احْتَجَّ بِهِ عَلَى غَيْرِهِ، فَعَلَيْهِ بَيَانُ صِحَّتِهِ، وَإِلَّا كَانَ قَائِلًا بِلَا عِلْمٍ، مُسْتَدِلًّا بِلَا عِلْمٍ.
وَإِذَا عُلِمَ أَنَّ فِي الْكُتُبِ الْمُصَنَّفَةِ فِي الْفَضَائِلِ مَا هُوَ كَذِبٌ، صَارَ الِاعْتِمَادُ عَلَى مُجَرَّدِ مَا فِيهَا، مِثْلَ الِاسْتِدْلَالِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقِ، الَّذِي يَصْدُقُ تَارَةً وَيَكْذِبُ أُخْرَى. بَلْ لَوْ لَمْ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهَا كَذِبًا، لَمْ يَفِدْنَا عِلْمًا حَتَّى نَعْلَمَ (?) ثِقَةَ مَنْ رَوَاهَا.
وَبَيْنَنَا وَبَيْنَ الرَّسُولِ مِئُونَ مِنَ السِّنِينِ (?) ، وَنَحْنُ نَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ فِيمَا يَنْقُلُ النَّاسُ عَنْهُ وَعَنْ غَيْرِهِ صِدْقًا وَكَذِبًا (?) ، وَقَدْ رَوَى عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: سَيُكْذَبُ عَلَيَّ، فَإِنَّ كَانَ هَذَا الْحَدِيثُ صِدْقًا، فَلَا بُدَّ أَنْ يُكْذَبَ عَلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ كَذِبًا فَقَدْ كَذَبَ عَلَيْهِ. وَإِنْ (?) كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَجُزْ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْتَجَّ فِي مَسْأَلَةٍ فَرْعِيَّةٍ بِحَدِيثٍ حَتَّى يُبَيِّنَ مَا بِهِ يَثْبُتُ، فَكَيْفَ يَحْتَجُّ فِي مَسَائِلِ الْأُصُولِ، الَّتِي يَقْدَحُ فِيهَا فِي خِيَارِ الْقُرُونِ وَجَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَسَادَاتِ أَوْلِيَاءِ اللَّهِ الْمُقَرَّبِينَ، بِحَيْثُ لَا يَعْلَمُ الْمُحْتَجُّ بِهِ صِدْقَهُ؟ .