وَقَالَ طَوَائِفُ مِنَ النَّاسِ كَالْكَرَّامِيَّةِ: بَلْ هُوَ كَانَ إِمَامًا وَمُعَاوِيَةُ إِمَامًا، وَجَوَّزُوا أَنْ يَكُونَ لِلنَّاسِ إِمَامَانِ لِلْحَاجَةِ. وَهَكَذَا قَالُوا فِي زَمَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ وَيَزِيدَ، حَيْثُ لَمْ يَجِدُوا النَّاسَ اتَّفَقُوا عَلَى إِمَامٍ.
وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ، مَعَ أَنَّهُ أَعْلَمُ أَهْلِ زَمَانِهِ بِالْحَدِيثِ، احْتَجَّ عَلَى إِمَامَةِ عَلِيٍّ بِالْحَدِيثِ الَّذِي فِي السُّنَنِ: " «تَكُونُ خِلَافَةُ النُّبُوَّةِ ثَلَاثِينَ سَنَةً، ثُمَّ تَصِيرُ مُلْكًا» " (?) . وَبَعْضُ النَّاسِ ضَعَّفَ هَذَا الْحَدِيثَ، لَكِنَّ أَحْمَدَ وَغَيْرَهُ يُثْبِتُونَهُ، فَهَذَا عُمْدَتُهُمْ مِنَ النُّصُوصِ عَلَى خِلَافَةِ عَلِيٍّ، فَلَوْ ظَفِرُوا بِحَدِيثٍ مُسْنَدٍ أَوْ مُرْسَلٍ مُوَافِقٍ لِهَذَا لَفَرِحُوا بِهِ.
فَعُلِمَ أَنَّ مَا تَدَّعِيهِ الرَّافِضَةُ مِنَ النَّصِّ، هُوَ مِمَّا لَمْ يَسْمَعْهُ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَقْوَالِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَا قَدِيمًا وَلَا حَدِيثًا.
وَلِهَذَا كَانَ أَهْلُ الْعِلْمِ بِالْحَدِيثِ يَعْلَمُونَ بِالضَّرُورَةِ كَذِبَ هَذَا النَّقْلِ، كَمَا يَعْلَمُونَ كَذِبَ غَيْرِهِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الْمَكْذُوبَةِ.
وَقَدْ جَرَى تَحْكِيمُ الْحَكَمَيْنِ، وَمَعَهُ أَكْثَرُ النَّاسِ، فَلَمْ يَكُنْ فِي الْمُسْلِمِينَ مِنْ أَصْحَابِهِ وَلَا غَيْرِهِمْ مَنْ ذَكَرَ هَذَا النَّصَّ، مَعَ كَثْرَةِ شِيعَتِهِ، وَلَا فِيهِمْ مَنِ احْتَجَّ بِهِ، فِي مِثْلِ هَذَا الْمَقَامِ الَّذِي تَتَوَفَّرُ فِيهِ الْهِمَمُ وَالدَّوَاعِي عَلَى إِظْهَارِ مِثْلِ هَذَا النَّصِّ.
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَوْ كَانَ النَّصُّ مَعْرُوفًا عِنْدَ شِيعَةِ عَلِيٍّ - فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِمْ - ; لَكَانَتِ الْعَادَةُ الْمَعْرُوفَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَقُولَ أَحَدُهُمْ: هَذَا نَصُّ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى خِلَافَتِهِ، فَيَجِبُ تَقْدِيمُهُ عَلَى مُعَاوِيَةَ.
وَأَبُو مُوسَى نَفْسُهُ كَانَ مِنْ خِيَارِ الْمُسْلِمِينَ، لَوْ (?) عَلِمَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ