وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ (?) بِتَقْدِيرِ دَعْوَى عَلِيٍّ الْعِصْمَةَ، فَإِنَّمَا يُقْبَلُ هَذَا لَوْ كَانَ عَلِيٌّ قَالَ ذَلِكَ، وَحَاشَاهُ مِنْ ذَلِكَ.
وَهَذَا جَوَابٌ خَامِسٌ (?) وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا لَمْ تَكُنِ (?) الْحُجَّةُ عَلَى الْعِصْمَةِ إِلَّا قَوْلُ الْمَعْصُومِ: إِنِّي مَعْصُومٌ، فَنَحْنُ رَاضُونَ بِقَوْلِ عَلِيٍّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَلَا يُمْكِنُ أَحَدٌ (?) أَنْ يَنْقُلَ عَنْهُ بِإِسْنَادٍ ثَابِتٍ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ، بَلِ النُّقُولُ الْمُتَوَاتِرَةُ عَنْهُ تَنْفِي اعْتِقَادَهُ فِي نَفْسِهِ الْعِصْمَةَ.
وَهَذَا جَوَابٌ سَادِسٌ، فَإِنَّ إِقْرَارَهُ لِقُضَاتِهِ (?) عَلَى أَنْ يَحْكُمُوا بِخِلَافِ رَأْيِهِ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَمْ يَعُدْ نَفْسُهُ مَعْصُومًا.
وَقَدْ ثَبَتَ بِالْإِسْنَادِ الصَّحِيحِ أَنَّ عَلِيًّا قَالَ: " اجْتَمَعَ رَأْيِي وَرَأْيُ عُمَرَ فِي أُمَّهَاتِ الْأَوْلَادِ أَنْ لَا يُبَعْنَ. وَقَدْ رَأَيْتُ الْآنَ أَنْ يُبَعْنَ ". فَقَالَ لَهُ عَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ قَاضِيهُ: " رَأْيُكَ مَعَ عُمَرَ [فِي الْجَمَاعَةِ] (?) أَحَبُّ إِلَيْنَا مِنْ رَأْيِكَ وَحْدَكَ فِي الْفُرْقَةِ ".
وَكَانَ شُرَيْحٌ يَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ وَلَا يُرَاجِعُهُ وَلَا يُشَاوِرُهُ، وَعَلِيٌّ يُقِرُّهُ عَلَى ذَلِكَ. وَكَانَ يَقُولُ: " اقْضُوا كَمَا كُنْتُمْ تَقْضُونَ ". وَكَانَ يُفْتِي وَيَحْكُمُ بِاجْتِهَادِهِ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَنْ ذَلِكَ بِاجْتِهَادِهِ، كَأَمْثَالِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَهَذِهِ أَقْوَالُهُ الْمَنْقُولَةُ عَنْهُ بِالْأَسَانِيدِ الصِّحَاحِ مَوْجُودَةٌ.