وَكَانَ صَارَ إِلَى الْمَغْرِبِ طَوَائِفُ مِنَ الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ، كَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ فِي الْمَشْرِقِ، وَفِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ. وَلَكِنَّ قَوَاعِدَ هَذِهِ الْمَدَائِنِ لَا تَسْتَمِرُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ، بَلْ إِذَا ظَهَرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُدَّةً أَقَامَ اللَّهُ مَا بَعَثَ بِهِ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي يَظْهَرُ [عَلَى] بَاطِلِهِمْ (?) .
وَبَنُو عُبَيْدٍ يَتَظَاهَرُونَ بِالتَّشَيُّعِ، وَاسْتَوْلَوْا مِنَ الْمَغْرِبِ عَلَى مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ، وَبَنُوا الْمَهْدِيَّةِ. ثُمَّ جَاءُوا إِلَى مِصْرَ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا مِائَتَيْ سَنَةٍ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى الْحِجَازِ وَالشَّامِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ، وَمَلَكُوا بَغْدَادَ فِي فِتْنَةِ الْبَسَاسِيرِيِّ (?) ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْمَلَاحِدَةُ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا، وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى أَهْلِ السُّنَّةِ، وَمُحْتَاجِينَ إِلَى مُصَانَعَتِهِمْ وَالتَّقِيَّةِ لَهُمْ.
وَلِهَذَا رَأْسُ مَالِ الرَّافِضَةِ التَّقِيَّةُ، وَهِيَ أَنْ يُظْهِرَ خِلَافَ مَا يُبْطِنُ كَمَا يَفْعَلُ الْمُنَافِقُ. وَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ فِي أَوَّلِ الْإِسْلَامِ فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْقِلَّةِ، وَهُمْ يُظْهِرُونَ دِينَهُمْ لَا يَكْتُمُونَهُ.
وَالرَّافِضَةُ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَعْمَلُونَ بِهَذِهِ الْآيَةِ: قَوْلُهُ تَعَالَى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 28] وَيَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَسَائِرُ أَهْلِ الْقِبْلَةِ كُفَّارٌ، مَعَ أَنَّ لَهُمْ فِي تَكْفِيرِ الْجُمْهُورِ قَوْلَيْنِ. لَكِنْ قَدْ رَأَيْتُ غَيْرَ وَاحِدٍ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ يُصَرِّحُ فِي كُتُبِهِ