فَعَلَهُ كَانَ حَسَنًا. فَهَؤُلَاءِ يَمْتَنِعُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُقَالَ: يَحْسُنُ مِنْهُ كَذَا، فَضْلًا عَنِ الْقَوْلِ بِالْوُجُوبِ.
وَالْقَوْلُ الثَّانِي: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْعَدْلُ وَالرَّحْمَةُ بِإِيجَابِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [سُورَةُ الْأَنْعَامِ: 54] .
وَيَحْرُمُ الظُّلْمُ بِتَحْرِيمِهِ عَلَى نَفْسِهِ، كَمَا قَالَ فِي الصَّحِيحِ: «يَا عِبَادِي إِنِّي حَرَّمْتُ الظُّلْمَ عَلَى نَفْسِي، وَجَعَلْتُهُ بَيْنَكُمْ مُحَرَّمًا، فَلَا تَظَالَمُوا» (?) ، وَيَقُولُ: إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ بِالْعَقْلِ. وَعَلَى كُلِّ قَوْلٍ فَهُوَ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقَعْ مِنْهُ ظُلْمٌ، وَلَمْ يُخِلَّ بِوَاجِبٍ، فَقَدْ فَعَلَ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ، وَهُوَ مَعَ هَذَا لَمْ يَخْلُقْ مَا تَحْصُلُ بِهِ هَذِهِ الْمَصَالِحُ الْمَقْصُودَةُ مِنَ الْمَعْصُومِ.
فَإِنْ كَانَتْ هَذِهِ الْمَصَالِحُ تَحْصُلُ بِمُجَرَّدِ خَلْقِهِ، وَهِيَ لَمْ تَحْصُلْ، لَزِمَ أَنْ لَا يَكُونَ خَلْقُهُ وَاجِبًا، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ. وَإِنْ كَانَتْ لَا تَحْصُلُ إِلَّا بِخَلْقِهِ وَخَلْقِ أُمُورٍ أُخْرَى، حَتَّى يَحْصُلَ بِالْمَجْمُوعِ الْمَطْلُوبُ، فَهُوَ لَمْ يَخْلُقْ ذَلِكَ الْمَجْمُوعَ، سَوَاءٌ كَانَ لَمْ يَخْلُقْ شَيْئًا مِنْهُ، أَوْ لَمْ يَخْلُقْ بَعْضَهُ.
وَالْإِخْلَالُ بِالْوَاجِبِ مُمْتَنِعٌ عَلَيْهِ فِي الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ، فَلَزِمَ عَلَى التَّقْدِيرَيْنِ أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ خَلْقُ الْمُوجِبِ لِهَذِهِ الْمَطَالِبِ؛ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ ذَلِكَ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَخْلُقَ مَعْصُومًا لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ، وَبَيْنَ أَنْ لَا يَخْلُقَهُ، فَلَا يَكُونُ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ. وَحِينَئِذٍ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ مَوْجُودًا. فَالْقَوْلُ بِوُجُوبِ وُجُودِهِ بَاطِلٌ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ.
وَإِنْ قِيلَ: إِنَّ الْمَطْلُوبَ يَحْصُلُ بِخَلْقِهِ وَبِطَاعَةِ الْمُكَلَّفِينَ لَهُ.