فَإِذَا قِيلَ لَهُمْ: فَهُوَ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الَّذِي عَرَّضَهُ لَا يَنْتَفِعُ مِمَّا خَلَقَهُ لَهُ (?) ، بَلْ يَفْعَلُ مَا يَضُرُّهُ، فَكَانَ كَمَنْ يُعْطِي شَخْصًا مَالًا لِيُنْفِقَهُ (?) فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَسَيْفًا لِيُقَاتِلَ بِهِ الْكُفَّارَ وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ يُنْفِقُهُ فِي حَرْبِ الْمُسْلِمِينَ وَقِتَالِهِمْ.
قَالُوا: الْمُكَلَّفُ إِنَّمَا أُتِيَ مِنْ جِهَةِ نَفْسِهِ، فَهُوَ الَّذِي فَرَّطَ بِتَرْكِ الطَّاعَةِ.
أَجَابَهُمْ أَهْلُ السُّنَّةِ بِجَوَابَيْنِ: أَحَدُهُمَا: مَبْنِيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ الْعِلْمِ. وَالثَّانِي: مَبْنِيٌّ عَلَى إِثْبَاتِ الْمَشِيئَةِ وَالْقُدْرَةِ التَّامَّةِ، وَأَنَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ.
فَقَالُوا: عَلَى الْأَوَّلِ إِذَا كَانَ هُوَ يَعْلَمُ أَنَّ مَقْصُودَهُ بِالْفِعْلِ لَمْ (?) يَحْصُلْ، لَمْ يَكُنْ فِعْلُهُ حِكْمَةً، وَإِنْ كَانَ بِتَفْرِيطِ غَيْرِهِ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ مَا شَاءَ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ، وَهُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ، وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَشَاءُ وَيَخْلُقُ مَا بِهِ يَكُونُ مَا ذَكَرُوهُ مِنَ الْمَطْلُوبِ، فَيَمْتَنِعُ مَعَ هَذَا أَنْ يَكُونَ مَا ذَكَرُوهُ هُوَ الْمَطْلُوبَ بِالْخَلْقِ. وَكُلُّ جَوَابٍ لِلْقَدَرِيَّةِ فَهُوَ جَوَابٌ لِلرَّافِضَةِ.
وَيُجَابُونَ بِأَجْوِبَةٍ أُخْرَى تُجِيبُهُمْ بِهَا الْقَدَرِيَّةُ، وَإِنْ وَافَقُوهُمْ عَلَى قَاعِدَةِ التَّعْلِيلِ وَالتَّجْوِيرِ (?) ، فَيَقُولُونَ: إِنَّمَا يَجِبُ خَلْقُ إِمَامٍ مَعْصُومٍ إِذَا لَمْ يَكُنْ قَدْ خَلَقَ لَهُمْ مَا يُغْنِيهِمْ عَنْهُ. وَبِالْجُمْلَةِ فَحَقِيقَةُ هَذِهِ الْحُجَّةِ أَنَّهَا اسْتِدْلَالٌ بِالْوَاجِبِ عَلَى الْوَاقِعِ،