وَالنِّزَاعِ. وَالْخِلَافُ الْوَاقِعُ فِي غَيْرِ أَهْلِ الْمِلَلِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي أَهْلِ الْمِلَلِ، فَكُلُّ مَنْ كَانَ إِلَى مُتَابَعَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَقْرَبُ، كَانَ الْخِلَافُ بَيْنَهُمْ أَقَلَّ.
فَالْخِلَافُ الْمَنْقُولُ عَنْ فَلَاسِفَةِ الْيُونَانِ وَالْهِنْدِ وَأَمْثَالِهِمْ أَمْرٌ لَا يُحْصِيهِ إِلَّا اللَّهُ، وَبَعْدَهُ الْخِلَافُ عَنْ أَعْظَمِ الْمِلَلِ ابْتِدَاعًا كَالرَّافِضَةِ فِينَا. وَبَعْدَ ذَلِكَ الْخِلَافُ الَّذِي بَيْنَ الْمُعْتَزِلَةِ وَنَحْوِهِمْ. وَبَعْدَ ذَلِكَ خِلَافُ الْفِرَقِ الْمُنْتَسِبَةِ إِلَى الْجَمَاعَةِ، كَالْكُلَّابِيَّةِ وَالْكَرَّامِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ (?) اخْتِلَافُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَهُمْ أَقَلُّ الطَّوَائِفِ اخْتِلَافًا فِي أُصُولِهِمْ، لِأَنَّ مِيرَاثَهُمْ مِنَ النُّبُوَّةِ أَعْظَمُ مِنْ مِيرَاثِ غَيْرِهِمْ فَعَصَمَهُمْ حَبْلُ اللَّهِ الَّذِي اعْتَصَمُوا بِهِ فَقَالَ (?) {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 103] .
فَكَيْفَ يُقَالُ مَعَ الِاخْتِلَافِ الَّذِي فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا: إِنَّ مَثَارَ الْفَسَادِ بَعْدَ شُبْهَةِ إِبْلِيسَ الِاخْتِلَافُ الْوَاقِعُ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وَكَمْ قَدْ (?) وَقَعَ مِنَ الْفَسَادِ وَالِاخْتِلَافِ قَبْلَ هَذَا؟ .
وَالتَّحْدِيدُ بِشُبْهَةِ إِبْلِيسَ وَالِاخْتِلَافِ الْوَاقِعِ فِي الْمَرَضِ بَاطِلٌ. فَأَمَّا شُبْهَةُ إِبْلِيسَ فَلَا يُعْرَفُ لَهَا أَثَرُ إِسْنَادٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالْكَذِبُ ظَاهِرٌ عَلَيْهَا.
وَأَمَّا مَا وَقَعَ فِي مَرَضِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَدْ كَانَ يَقَعُ قَبْلَ ذَلِكَ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْهُ، وَقَدْ وَقَعَ قِتَالٌ بَيْنَ أَهْلِ قُبَاءَ حَتَّى خَرَجَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِيُصْلِحَ بَيْنَهُمْ.