مُرَتَّبَةً تَرْتِيبًا عَقْلِيًّا كَتَرْتِيبِ الذَّاتِ عَلَى الصِّفَاتِ، وَكَتَرْتِيبِ الْمَعْلُولِ عَلَى الْعِلَّةِ كَمَا يَقُولُهُ الْمُتَفَلْسِفَةُ الْقَائِلُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ حَيْثُ قَالُوا: إِنَّ الرَّبَّ مُتَقَدِّمٌ عَلَى الْعَالَمِ بِذَاتِهِ وَحَقِيقَتِهِ وَلَمْ يَتَقَدَّمْ عَلَيْهِ تَقَدُّمًا زَمَانِيًّا، وَقَالُوا فِي تَقَدُّمِ بَعْضِ كَلَامِهِ عَلَى بَعْضٍ كَمَا قَالَ هَؤُلَاءِ فِي تَقَدُّمِهِ عَلَى مَعْلُولِهِ، وَهَؤُلَاءِ يَجْعَلُونَ التَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ وَالتَّرْتِيبَ نَوْعَيْنِ: عَقْلِيًّا وَوُجُودِيًّا، وَيَدَّعُونَ أَنَّ مَا أَثْبَتُوهُ مِنَ التَّرْتِيبِ وَالتَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ هُوَ عَقْلِيٌّ لَا وُجُودِيٌّ.
وَأَمَّا جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ فَيُنْكِرُونَ هَذَا، وَيَقُولُونَ: إِنَّ قَوْلَ هَؤُلَاءِ مَعْلُومُ الْفَسَادِ بِالضَّرُورَةِ، وَإِنَّ التَّرْتِيبَ وَالتَّقَدُّمَ وَالتَّأَخُّرَ لَا يَعْقِلُ إِلَّا وُجُودَ الشَّيْءِ بَعْدَ غَيْرِهِ، لَا يُمْكِنُ مَعَ كَوْنِهِ مَعَهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ (?) كَمَا يَقُولُونَ: إِنَّ الْمَعْلُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا بَعْدَ الْعِلَّةِ وَلَا يَكُونُ إِلَّا مَعَهَا، وَهَذِهِ الْأُمُورُ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ [بَسْطًا كَبِيرًا وَلَكِنْ ذُكِرَ هُنَا مَا تَيَسَّرَ] (?) .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَ (?) الْكَلَامِيَّةَ الَّتِي ابْتَدَعَتْهَا الْجَهْمِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ، وَأَنْكَرَهَا سَلَفُ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتُهَا صَارَتْ عِنْدَ كَثِيرٍ مِنَ النُّظَّارِ الْمُتَأَخِّرِينَ (?) هِيَ دِينُ الْإِسْلَامِ، بَلْ (?) يَعْتَقِدُونَ أَنَّ مَنْ خَالَفَهَا فَقَدْ خَالَفَ دِينَ الْإِسْلَامِ، مَعَ أَنَّهُ لَمْ يَنْطِقْ بِمَا فِيهَا مِنَ الْحِكَمِ، وَالدَّلِيلُ لَا آيَةً مِنْ كِتَابِ اللَّهِ، وَلَا خَبَرًا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَلَا أَحَدًا مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ [لَهُمْ