وَقَدْ كَانَ مِنْ شِيعَةِ عُثْمَانَ مَنْ يَسُبُّ عَلِيًّا، وَيَجْهَرُ بِذَلِكَ عَلَى الْمَنَابِرِ وَغَيْرِهَا؛ لِأَجْلِ الْقِتَالِ الَّذِي كَانَ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ. وَكَانَ أَهْلُ السُّنَّةِ مِنْ جَمِيعِ الطَّوَائِفِ تُنْكِرُ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ، وَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يُؤَخِّرُ الصَّلَاةَ عَنْ وَقْتِهَا، فَكَانَ الْمُتَمَسِّكُ بِالسُّنَّةِ يُظْهِرُ مَحَبَّةَ عَلِيٍّ وَمُوَالَاتَهُ، وَيُحَافِظُ عَلَى الصَّلَاةِ (?) فِي مَوَاقِيتِهَا. حَتَّى رُئِيَ عَمْرُو بْنُ مُرَّةَ الْجَمَلِيُّ، وَهُوَ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الْكُوفَةِ: شَيْخُ الثَّوْرِيِّ وَغَيْرِهِ، بَعْدَ مَوْتِهِ، فَقِيلَ لَهُ: مَا فَعَلَ اللَّهُ بِكَ؟ فَقَالَ: غَفَرَ لِي بِحُبِّ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَمُحَافَظَتِي عَلَى الصَّلَاةِ فِي مَوَاقِيتِهَا.
وَغَلَتْ شِيعَةُ عَلِيٍّ فِي الْجَانِبِ الْآخَرِ، حَتَّى صَارُوا يُصَلُّونَ الْعَصْرَ مَعَ الظُّهْرِ دَائِمًا قَبْلَ وَقْتِهَا الْخَاصِّ، وَيُصَلُّونَ الْعِشَاءَ مَعَ الْمَغْرِبِ دَائِمًا قَبْلَ وَقْتِهَا الْخَاصِّ، فَيَجْمَعُونَ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا فِي وَقْتِ الْأُولَى. وَهَذَا خِلَافُ الْمُتَوَاتِرِ مِنْ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَإِنَّ الْجَمْعَ إِنَّمَا كَانَ [يَفْعَلُهُ] (?) لِسَبَبٍ، لَا سِيَّمَا الْجَمْعُ فِي وَقْتِ الْأُولَى، فَإِنَّ الَّذِي تَوَاتَرَ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِعَرَفَةَ. وَأَمَّا مَا فَعَلَهُ بِغَيْرِهَا فَفِيهِ نِزَاعٌ. وَلَا خِلَافَ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ يَفْعَلُهُ دَائِمًا لَا فِي الْحَضَرِ وَلَا فِي السَّفَرِ، بَلْ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ لَمْ يَجْمَعْ إِلَّا بِعَرَفَةَ وَمُزْدَلِفَةَ. وَلَكِنْ رُوِيَ عَنْهُ الْجَمْعُ فِي غَزْوَةِ (?) تَبُوكَ. وَرُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ جَمَعَ بِالْمَدِينَةِ، لَكِنْ نَادِرًا لِسَبَبٍ. وَالْغَالِبُ عَلَيْهِ تَرْكُ الْجَمْعِ. فَكَيْفَ يَجْمَعُ بَيْنَ الصَّلَاتَيْنِ دَائِمًا؟
وَأُولَئِكَ إِذَا كَانُوا يُؤَخِّرُونَ الظُّهْرَ إِلَى وَقْتِ الْعَصْرِ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ تَقْدِيمِ (?) الْعَصْرِ إِلَى وَقْتِ الظُّهْرِ. فَإِنَّ جَمْعَ التَّأْخِيرِ خَيْرٌ مِنْ جَمْعِ التَّقْدِيمِ. فَإِنَّ