{سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 53] .
فَأَخْبَرَ أَنَّهُ سَيُرِيهِمُ الْآيَاتِ الْأُفُقِيَّةَ (?) وَالنَّفْسِيَّةَ الْمُبَيِّنَةَ لِأَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عِبَادَهُ حَقٌّ، فَتَتَطَابَقُ الدَّلَالَةُ الْبُرْهَانِيَّةُ الْقُرْآنِيَّةُ، وَالْبُرْهَانِيَّةُ الْعِيَانِيَّةُ، وَيَتَصَادَقُ مُوجَبُ الشَّرْعِ الْمَنْقُولِ وَالنَّظَرِ الْمَعْقُولِ.
لَكِنَّ أَهْلَ الْكَلَامِ الْمُحْدَثِ الَّذِي ذَمَّهُ السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ، مِنَ الْجَهْمِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ وَمَنِ اتَّبَعَهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى السُّنَّةِ مِنَ الْمُتَأَخِّرِينَ ابْتَدَعُوا فِي أُصُولِ دِينِهِمْ حُكْمًا وَدَلِيلًا، فَأَخْبَرُوا عَنْ قَوْلِ أَهْلِ الْمِلَلِ بِمَا لَمْ يَنْطِقْ بِهِ كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقَةٍ لَا أَصْلَ لَهَا فِي كِتَابٍ، وَلَا سُنَّةٍ، فَكَانَ الْقَوْلُ الَّذِي أَصَّلُوهُ وَنَقَلُوهُ عَنْ أَهْلِ الْمِلَلِ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ كِلَاهُمَا بِدْعَةً فِي الشَّرْعِ لَا أَصْلَ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، مَعَ أَنَّ أَتْبَاعَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ هَذَا هُوَ دِينُ الْمُسْلِمِينَ، فَكَانُوا فِي مُخَالَفَةِ الْمَعْقُولِ بِمَنْزِلَتِهِمْ فِي مُخَالَفَةِ الْمَنْقُولِ، وَقَابَلَتْهُمُ الْمَلَاحِدَةُ الْمُتَفَلْسِفَةُ الَّذِينَ هُمْ أَشَدُّ مُخَالَفَةً لِصَحِيحِ الْمَنْقُولِ وَصَرِيحِ الْمَعْقُولِ (?) .
وَمَا ذَكَرْنَاهُ هُنَا هُوَ (?) مِمَّا يُعْلَمُ بِهِ حُدُوثُ كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَامْتِنَاعُ قِدَمِ شَيْءٍ بِعَيْنِهِ مِنَ الْعَالَمِ بِقِدَمِ اللَّهِ يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ، وَيُمْكِنُ التَّعْبِيرُ عَنْهُ بِأَنْوَاعٍ مِنَ الْعِبَارَاتِ، وَتَأْلِيفُهُ عَلَى وُجُوهٍ (?) مِنَ التَّأْلِيفَاتِ، فَإِنَّ الْمَادَّةَ إِذَا كَانَتْ مَادَّةً صَحِيحَةً أَمْكَنَ تَصْوِيرُهَا بِأَنْوَاعٍ مِنَ الصُّوَرِ، وَهِيَ فِي ذَلِكَ يَظْهَرُ أَنَّهَا صَحِيحَةٌ بِخِلَافِ الْأَدِلَّةِ