فَلَوِ اعْتَقَدَ بَعْضُ الْمُجْتَهِدِينَ أَنَّ الزِّنَا عُدْوَانٌ، كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ - تَعَالَى - عُدْوَانًا بِقَوْلِهِ: {فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [سُورَةُ الْمُؤْمِنُونَ: 7] فَيَقْتُلُ بِهِ الْمَجْنُونَ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذَا حَدُّ اللَّهِ، فَلَا يُقَامُ (?) إِلَّا بَعْدَ الْعِلْمِ بِالتَّحْرِيمِ، وَالْمَجْنُونُ لَمْ يَعْلَمِ التَّحْرِيمَ، لَمْ يُشَنَّعْ عَلَيْهِ فِي هَذَا إِلَّا مَنْ شَنَّعَ بِأَعْظَمَ مِنْهُ عَلَى غَيْرِهِ.

فَلَوْ قَالَ قَائِلٌ: قِتَالُ الْمُسْلِمِينَ هُوَ عُقُوبَةٌ لَهُمْ، فَلَا يُعَاقَبُونَ حَتَّى يَعْلَمُوا الْإِيجَابَ وَالتَّحْرِيمَ، وَأَصْحَابُ مُعَاوِيَةَ [الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ (?) عَلِيٌّ] (?) لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّ لَهُمْ ذَنْبًا، فَلَمْ يَجُزْ لِعَلِيٍّ قِتَالُهُمْ عَلَى مَا لَا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ ذَنْبٌ، وَإِنْ كَانُوا مُذْنِبِينَ فَإِنَّ غَايَةَ مَا يُقَالُ (?) : إِنَّهُمْ تَرَكُوا الطَّاعَةَ الْوَاجِبَةَ، لَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ - أَوْ أَكْثَرَهُمْ - لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ طَاعَةُ عَلِيٍّ وَمُتَابَعَتُهُ، بَلْ كَانَ لَهُمْ مِنَ الشُّبَهَاتِ وَالتَّأْوِيلَاتِ مَا يَمْنَعُ عِلْمَهُمْ بِالْوُجُوبِ، فَكَيْفَ جَازَ قِتَالُ مَنْ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ تَرَكَ وَاجِبًا، أَوْ فَعَلَ مُحَرَّمًا مَعَ كَوْنِهِ كَانَ مَعْصُومًا؟ لَمْ يَكُنْ مِثْلُ هَذَا قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عَلِيٍّ، فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ قَدْحًا فِي إِمَامَةِ عُمَرَ؟ !

لَا سِيَّمَا وَالْقِتَالُ عَلَى تَرْكِ الْوَاجِبِ إِنَّمَا يُشْرَعُ إِذَا كَانَتْ مَفْسَدَةُ الْقِتَالِ أَقَلَّ مِنْ مَفْسَدَةِ تَرْكِ ذَلِكَ الْوَاجِبِ، وَالْمَصْلَحَةُ بِالْقِتَالِ أَعْظَمَ مِنَ الْمَصْلَحَةِ بِتَرْكِهِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015