وَالرَّبُّ تَعَالَى عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، لَكِنْ مَا مِنْ شَيْءٍ إِلَّا وَلَهُ ضِدٌّ يُنَافِيهِ، وَلَهُ لَازِمٌ لَا بُدَّ مِنْهُ ; فَيَمْتَنِعُ وُجُودُ الضِّدَّيْنِ مَعًا، أَوْ وُجُودُ الْمَلْزُومِ بِدُونِ اللَّازِمِ، كُلٌّ مِنَ الضِّدَّيْنِ مَقْدُورٌ لِلَّهِ، وَاللَّهُ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَخْلُقَهُ، لَكِنْ بِشَرْطِ عَدَمِ الْآخَرِ، فَأَمَّا وُجُودُ الضِّدَّيْنِ مَعًا فَمُمْتَنِعٌ (?) لِذَاتِهِ، فَلَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِهِ قَادِرًا عَلَى كُلٍّ مِنْهُمَا وُجُودُ أَحَدِهِمَا مَعَ الْآخَرِ.

وَالْعِبَادُ قَدْ لَا يَعْلَمُونَ التَّنَافِيَ أَوِ التَّلَازُمَ، فَلَا يَكُونُونَ عَالِمِينَ بِالِامْتِنَاعِ ; فَيَظُنُّونَهُ مُمْكِنَ الْوُجُودِ، مَعَ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ الْمَطْلُوبِ (?) لِلرَّبِّ، وَفَرْقٌ بَيْنَ الْعِلْمِ بِالْإِمْكَانِ [وَعَدَمِ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، وَإِنَّمَا عِنْدُهُمْ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالِامْتِنَاعِ، لَا الْعِلْمُ بِالْإِمْكَانِ] (?) وَالْعَدَمُ لَا فَاعِلَ لَهُ، فَأَتَوْا مِنْ عَدَمِ عِلْمِهِمْ، وَهُوَ الْجَهْلُ الَّذِي هُوَ أَصْلُ الْكُفْرِ (?) .

وَهُوَ سُبْحَانُهُ إِذَا اقْتَضَتْ حِكْمَتُهُ خَلْقَ شَيْءٍ، فَلَا بُدَّ مِنْ خَلْقِ لَوَازِمِهِ وَنَفْيِ أَضْدَادِهِ، فَإِذَا قَالَ الْقَائِلُ: لِمَ لَمْ يَجْعَلْ (?) مَعَهُ الضِّدَّ الْمُنَافِيَ؟ أَوْ لِمَ وُجِدَ اللَّازِمُ؟ كَانَ لِعَدَمِ عِلْمِهِ بِالْحَقَائِقِ.

وَهَذَا مِثْلُ أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ: هَلَّا خَلَقَ زَيْدًا قَبْلَ أَبِيهِ؟ .

فَيُقَالُ لَهُ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ ابْنَهُ وَيُخْلَقَ قَبْلَهُ، أَوْ يُخْلَقَ حَتَّى يُخْلَقَ أَبُوهُ، وَالنَّاسُ تَظْهَرُ لَهُمُ الْحِكْمَةُ فِي كَثِيرٍ مِنْ تَفَاصِيلِ الْأُمُورِ الَّتِي يَتَدَبَّرُونَهَا، كَمَا تَظْهَرُ لَهُمُ الْحِكْمَةُ فِي مُلُوحَةِ مَاءِ الْعَيْنِ، وَعُذُوبَةِ مَاءِ الْفَمِ، وَمَرَارَةِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015