وَالْمُتَقَدِّمِينَ مِنَ الْحَنْبَلِيَّةِ وَالْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ، كَمَا ذَكَرَ ذَلِكَ [أَبُو بَكْرٍ] (?) : عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ " الْمُقْنِعِ "، وَهُوَ أَحَدُ قَوْلَيِ الْأَشْعَرِيِّ، وَعَلَيْهِ اعْتَمَدَ أَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ، وَرَجَّحَهُ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ لِلْمُؤْمِنِ، أَوْ لَا يُحِبُّهُ دِينًا.

وَذَكَرَ أَبُو الْمَعَالِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ السَّلَفِ، وَأَنَّ أَوَّلَ مَنْ جَعَلَهُمَا (?) سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ هُوَ أَبُو الْحَسَنِ.

وَالَّذِينَ قَالُوا: هَذَا مِنْ مُتَأَخِّرِي الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَالْحَنْبَلِيَّةِ، كَأَبِي الْمَعَالِي، وَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْرِهِمَا، هُمْ فِي ذَلِكَ تَبَعٌ لِلْأَشْعَرِيِّ، وَبِهَذَا الْفَرْقِ يَظْهَرُ أَنَّ الْإِرَادَةَ نَوْعَانِ: إِرَادَةٌ أَنْ يَخْلُقَ، وَإِرَادَةٌ لِمَا أَمَرَ بِهِ. [فَأَمَّا الْمَأْمُورُ بِهِ] (?) فَهُوَ مُرَادٌ إِرَادَةً شَرْعِيَّةً دِينِيَّةً، [مُتَضَمِّنَةً] (?) أَنَّهُ يُحِبُّ مَا أَمَرَ بِهِ وَيَرْضَاهُ.

وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِنَا: يُرِيدُ (?) مِنْ عَبْدِهِ، فَهُوَ يُرِيدُهُ لَهُ كَمَا يُرِيدُ الْأَمْرَ النَّاصِحَ لِلْمَأْمُورِ الْمَنْصُوحِ، يَقُولُ: هَذَا خَيْرٌ لَكَ، وَأَنْفَعُ [لَكَ] (?) ، وَهُوَ إِذَا فَعَلَهُ أَحَبَّهُ اللَّهُ وَرَضِيَهُ، وَالْمَخْلُوقَاتُ مُرَادَةٌ إِرَادَةً خَلْقِيَّةً كَوْنِيَّةً، وَهَذِهِ الْإِرَادَةُ مُتَضَمِّنَةٌ لِمَا وَقَعَ دُونَ مَا لَمْ يَقَعْ، وَقَدْ يَكُونُ الشَّيْءُ مُرَادًا لَهُ غَيْرَ مَحْبُوبٍ، بَلْ أَرَادَهُ لِإِفْضَائِهِ إِلَى وُجُودِ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ، أَوْ لِكَوْنِهِ شَرْطًا فِي وُجُودِ مَا هُوَ مَحْبُوبٌ لَهُ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015