وَلِهَذَا قَالَ: " فَيَكُونُ مُشَاهِدًا سَبَقَ الْحَقُّ بِحُكْمِهِ وَعِلْمِهِ " أى: يَشْهَدُ أَنَّهُ عَلِمَ مَا سَيَكُونُ وَحَكَمَ بِهِ، أَيْ أَرَادَهُ وَقَضَاهُ وَكَتَبَهُ، وَلَيْسَ عِنْدَهُمْ شَيْءٌ إِلَّا هَذَا. وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ هَذَا الْمَذْهَبِ يَتْرُكُونَ الْأَسْبَابَ الدُّنْيَوِيَّةَ، وَيَجْعَلُونَ وُجُودَ السَّبَبِ كَعَدَمِهِ.
وَمِنْهُمْ قَوْمٌ يَتْرُكُونَ الْأَسْبَابَ الْأُخْرَوِيَّةَ، فَيَقُولُونَ: إِنْ سَبَقَ الْعِلْمُ وَالْحُكْمُ أَنَّا سُعَدَاءُ فَنَحْنُ سُعَدَاءُ، وَإِنْ سَبَقَ أَنَّا أَشْقِيَاءُ فَنَحْنُ أَشْقِيَاءُ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْعَمَلِ.
وَمِنْهُمْ مَنْ يَتْرُكُ الدُّعَاءَ بِنَاءً عَلَى هَذَا الْأَصْلِ الْفَاسِدِ.
وَلَا رَيْبَ أَنَّ هَذَا الْأَصْلَ الْفَاسِدَ (?) مُخَالِفٌ لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَأَئِمَّةِ الدِّينِ، وَمُخَالِفٌ لِصَرِيحِ الْمَعْقُولِ، وَمُخَالِفٌ لِلْحِسِّ وَالْمُشَاهَدَةِ.
وَقَدْ سُئِلَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ إِسْقَاطِ الْأَسْبَابِ نَظَرًا إِلَى الْقَدَرِ (?) ، فَرَدَّ ذَلِكَ. كَمَا [ثَبَتَ] (?) فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: " «مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَقَدْ عُلِمَ مَقْعَدُهُ مِنَ الْجَنَّةِ وَمَقْعَدُهُ مِنَ النَّارِ " قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَدَعُ الْعَمَلَ وَنَتَّكِلُ عَلَى الْكِتَابِ؟ فَقَالَ: " لَا. اعْمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ» " (?)