وَقَالَتِ الْجَهْمِيَّةُ الْمُجْبِرَةُ: بَلْ هُوَ يَشَاءُ كُلَّ شَيْءٍ، فَهُوَ يُرِيدُهُ وَيُحِبُّهُ وَيَرْضَاهُ.

وَأَمَّا السَّلَفُ وَأَتْبَاعُهُمْ: فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْمَحَبَّةِ. وَأَمَّا الْإِرَادَةُ فَتَكُونُ تَارَةً بِمَعْنَى الْمَشِيئَةِ، وَتَارَةً بِمَعْنَى الْمَحَبَّةِ. وَقَدْ ذَكَرَ الْأَشْعَرِيُّ الْقَوْلَيْنِ عَنْ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ: قَوْلُ مَنْ فَرَّقَ بَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا. وَقَوْلُ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، وَاخْتَارَ هُوَ التَّسْوِيَةَ، وَأَبُو الْمَعَالِي يَقُولُ: إِنَّ أَبَا الْحَسَنِ أَوَّلُ مَنْ سَوَّى بَيْنَهُمَا، لَكِنِّي رَأَيْتُهُ فِي " الْمُوجَزِ " قَدْ حَكَى قَوْلَهُ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ، وَعَنِ ابْنِ كُلَّابٍ، وَعَنِ الْكَرَابِيسِيِّ، وَعَنْ دَاوُدَ بْنِ عَلِيٍّ، وَكَذَلِكَ ابْنُ عَقِيلٍ يَقُولُ: " أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ، وَلَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ يُحِبُّهُ، غَيْرُ الْأَشْعَرِيِّ ".

وَأَمَّا الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى فَهُوَ فِي " الْمُعْتَمَدِ " يُوَافِقُ الْأَشْعَرِيَّ، وَفِي " مُخْتَصَرِهِ " ذَكَرَ الْقَوْلَيْنِ، وَذَكَرَ فِي " الْمُعْتَمَدِ " قَوْلَ أَبِي بَكْرٍ عَبْدِ الْعَزِيزِ: أَنَّهُ يَقُولُ بِالْفَرْقِ، وَتَأَوَّلَ كَلَامَ أَبِي بَكْرٍ بِتَأْوِيلٍ بَاطِلٍ (?) . لَكِنَّ أَهْلَ الْمِلَلِ كُلَّهُمْ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّ اللَّهَ يُثِيبُ عَلَى الطَّاعَاتِ، وَيُعَاقِبُ عَلَى الْمَعَاصِي، وَإِنْ كَانَتِ الْمَشِيئَةُ شَامِلَةً لِلنَّوْعَيْنِ، فَهُمْ يُسَلِّمُونَ الْفَرْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْعِبَادِ، وَالْمُدَّعُونَ لِلْمَعْرِفَةِ وَالْحَقِيقَةِ وَالْفَنَاءِ فِيهِمَا يَطْلُبُونَ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُمْ مُرَادٌ، بَلْ يُرِيدُونَ مَا يُرِيدُ الْحَقُّ - تَعَالَى - ; فَيَقُولُونَ: الْكَمَالُ أَنْ تَفْنَى عَنْ إِرَادَتِكَ، وَتَبْقَى مَعَ إِرَادَةِ رَبِّكَ، وَعِنْدَهُمْ أَنَّ جَمِيعَ الْكَائِنَاتِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015