الْمَقَالَةِ عَرَفَ فَسَادَهَا، فَكَانَ فِي ذَلِكَ نَهْيٌ عَمَّا فِيهَا مِنَ الْمُنْكَرِ وَالْبَاطِلِ.
وَكَذَلِكَ إِذَا عَرِفَ رَدَّ هَؤُلَاءِ عَلَى أُولَئِكَ (?) ، فَإِنَّهُ أَيْضًا يَعْرِفُ مَا عِنْدَ أُولَئِكَ مِنَ الْبَاطِلِ، فَيَتَّقِي الْبَاطِلَ الَّذِي مَعَهُمْ. ثُمَّ مَنْ بَيَّنَ اللَّهُ لَهُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ: إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ قَوْلًا ثَالِثًا خَارِجًا عَنِ الْقَوْلَيْنِ، وَإِمَّا بِأَنْ يَكُونَ بَعْضَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ وَبَعْضَ قَوْلِ هَؤُلَاءِ، وَعَرَفَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي كَانَ عَلَيْهِ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ، وَعَلَيْهِ دَلَّ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَتَمَّ عَلَيْهِ النِّعْمَةَ، إِذْ هَدَاهُ الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ، وَجَنَّبَهُ صِرَاطَ أَهْلِ الْبَغْيِ وَالضَّلَالِ.
وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ، كَانَ امْتِنَاعُهُ مِنْ مُوَافَقَةِ هَؤُلَاءِ عَلَى ضَلَالِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ عَلَى ضَلَالِهِمْ، نِعْمَةً فِي حَقِّهِ، وَاعْتَصَمَ بِمَا عَرَفَهُ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مُجْمَلًا، وَأَمْسَكَ عَنِ الْكَلَامِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ، وَكَانَتْ مِنْ جُمْلَةِ مَا لَمْ يَعْرِفْهُ ; فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَعْرِفُ الْحَقَّ فِي كُلِّ مَا تَكَلَّمَ النَّاسُ بِهِ، وَأَنْتَ تَجِدُهُمْ يَحْكُونَ أَقْوَالًا مُتَعَدِّدَةً فِي التَّفْسِيرِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ فِي مَسَائِلِ الْأَحْكَامِ، بَلْ وَالْعَرَبِيَّةِ وَالطِّبِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ يَحْكِي الْخِلَافَ وَلَا يَعْرِفُ الْحَقَّ.
وَأَمَّا الْخِلَافُ الَّذِي بَيْنَ الْفَلَاسِفَةِ فَلَا يُحْصِيهِ أَحَدٌ لِكَثْرَتِهِ وَلِتَفَرُّقِهِمْ (?) ، فَإِنَّ الْفَلْسَفَةَ الَّتِي (?) عِنْدَ الْمُتَأَخِّرِينَ كَالْفَارَابِيِّ وَابْنِ سِينَا وَمَنْ نَسَجَ عَلَى مِنْوَالِهِمَا هِيَ فَلْسَفَةُ أَرِسْطُو وَأَتْبَاعِهِ، وَهُوَ صَاحِبُ التَّعَالِيمِ: الْمَنْطِقِ، وَالطَّبِيعِيِّ، وَمَا بَعْدَ الطَّبِيعَةِ (?) . وَالَّذِي (?) يَحْكِيهِ الْغَزَالِيُّ