تَقْتَضِيهِ قُدْرَتُهُ وَحِكْمَتُهُ فِي النُّبُوَّاتِ وَالشَّرَائِعِ. وَهَؤُلَاءِ جَوَّزُوا لِلْمَخْلُوقِ أَنْ يُغَيِّرَ مَا شَرَعَهُ الْخَالِقُ، فَضَاهَوُا الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ (?) .

وَكَذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ ; فَالنَّصَارَى يَعْبُدُونَهُ بِبِدَعٍ ابْتَدَعُوهَا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ. وَالْيَهُودُ مُعْرِضُونَ عَنِ الْعِبَادَاتِ، حَتَّى فِي يَوْمِ السَّبْتِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ أَنْ يَتَفَرَّغُوا فِيهِ لِعِبَادَتِهِ، إِنَّمَا يَشْتَغِلُونَ فِيهِ بِالشَّهَوَاتِ. فَالنَّصَارَى مُشْرِكُونَ بِهِ وَالْيَهُودُ مُسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ.

وَالْمُسْلِمُونَ عَبَدُوا اللَّهَ وَحْدَهُ بِمَا شَرَعَ، وَلَمْ يَعْبُدُوهُ بِالْبِدَعِ. وَهَذَا هُوَ دِينُ الْإِسْلَامِ الَّذِي بَعَثَ اللَّهُ بِهِ جَمِيعَ النَّبِيِّينَ، وَهُوَ أَنْ يَسْتَسْلِمَ الْعَبْدُ لِلَّهِ لَا لِغَيْرِهِ، وَهُوَ الْحَنِيفِيَّةُ دِينُ إِبْرَاهِيمَ. فَمَنِ اسْتَسْلَمَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ كَانَ مُشْرِكًا، وَمَنْ لَمْ يَسْتَسْلِمْ لَهُ فَهُوَ مُسْتَكْبِرٌ.

وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 48] .

وَقَالَ: {إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [سُورَةُ غَافِرٍ: 60] .

وَكَذَلِكَ فِي أَمْرِ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ: فِي الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ وَمَا يَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مِنَ النَّجَاسَاتِ ; فَالنَّصَارَى لَا تُحَرِّمُ مَا حَرَّمَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ، وَيَسْتَحِلُّونَ الْخَبَائِثَ الْمُحَرَّمَةَ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ، حَتَّى أَنَّهُمْ يَتَعَبَّدُونَ بِالنَّجَاسَاتِ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ، وَلَا يَغْتَسِلُونَ مِنْ جَنَابَةٍ، وَلَا يَتَطَهَّرُونَ لِلصَّلَاةِ، وَكُلَّمَا كَانَ الرَّاهِبُ عِنْدَهُمْ أَبْعَدَ عَنِ الطَّهَارَةِ، وَأَكْثَرَ مُلَابَسَةً لِلنَّجَاسَةِ كَانَ مُعَظَّمًا عِنْدَهُمْ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015