: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ 71] ، فَالْمَنْفِيُّ بِهَا مُثْبَتٌ، وَالْمُثْبَتُ بِهَا مَنْفِيٌّ (?) ، وَهَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الِاسْتِعْمَالِ. وَقَدْ يُقَالُ (?) : يُرَادُ بِهَا هَذَا تَارَةً وَهَذَا تَارَةً ; فَإِذَا صَرَّحْتَ بِإِثْبَاتِ الْفِعْلِ فَقَدْ وُجِدَ، فَإِذَا لَمْ يُؤْتَ إِلَّا بِالنَّفْيِ الْمَحْضِ كَقَوْلِهِ: {لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} وَ {لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا} فَهَذَا نَفْيٌ مُطْلَقٌ، وَلَا قَرِينَةَ مَعَهُ تَدُلُّ عَلَى الْإِثْبَاتِ فَيُفَرَّقُ بَيْنَ مُطْلَقِهَا وَمُقَيَّدِهَا.
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ الثَّلَاثَةُ لِلنُّحَاةِ، وَقَالَ بِكُلِّ قَوْلٍ طَائِفَةٌ. وَقَدْ وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُنَافِقِينَ بِعَدَمِ الْفِقْهِ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: {هُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ لَا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا وَلِلَّهِ خَزَائِنُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَفْقَهُونَ} [سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ 7] .
وَفِي مِثْلِ قَوْلِهِ: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ حَتَّى إِذَا خَرَجُوا مِنْ عِنْدِكَ قَالُوا لِلَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مَاذَا قَالَ آنِفًا أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [سُورَةُ مُحَمَّدٍ 16] . فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا يَفْقَهُونَ الْقُرْآنَ.
لَكِنَّ قَوْلَهُ حَدِيثًا نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ النَّفْيِ فَتَعُمُّ، كَمَا قَالَ فِي الْكَهْفِ: {وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا} [سُورَةُ الْكَهْفِ 93] . وَمَعْلُومٌ أَنَّهُمْ (?) لَا بُدَّ أَنْ يَفْقَهُوا بَعْضَ الْأَقْوَالِ، وَإِلَّا فَلَا يَعِيشُ الْإِنْسَانُ بِدُونِ ذَلِكَ، فَعَلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّهُمْ يَفْقَهُونَ بَعْدَ أَنْ كَادُوا لَمْ يَفْقَهُوهُ (?) .