وَلَمْ يَذْكُرْ هَؤُلَاءِ مَنْ آمَنَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَدِينَةِ، مِثْلَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ يَهُودِيًّا، وَسَلْمَانَ الْفَارِسِيِّ وَغَيْرِهِ مِمَّنْ كَانَ نَصْرَانِيًّا ; لِأَنَّ هَؤُلَاءِ صَارُوا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فَلَا يُقَالُ فِيهِمْ: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ} [سُورَةُ آلِ عِمْرَانَ: 199] وَلَا يَقُولُ أَحَدٌ: إِنَّ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ وَهِجْرَتِهِمْ وَدُخُولِهِمْ فِي جُمْلَةِ الْمُسْلِمِينَ الْمُهَاجِرِينَ الْمُجَاهِدِينَ، يُقَالُ: إِنَّهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا لَا يُقَالُ عَنِ الصَّحَابَةِ الَّذِينَ كَانُوا مُشْرِكِينَ: وَإِنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، فَإِنَّهُمْ بَعْدَ الْإِيمَانِ مَا بَقُوا يُسَمَّوْنَ مُشْرِكِينَ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، أَيْ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، وَقَدْ آمَنُوا بِالرَّسُولِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي الْمَقْتُولِ خَطَأً: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} [سُورَةُ النِّسَاءِ: 92] (?) فَهُوَ مِنَ الْعَدُوِّ، وَلَكِنْ هُوَ كَانَ قَدْ آمَنَ وَمَا أَمْكَنَهُ الْهِجْرَةُ وَإِظْهَارُ الْإِيمَانِ وَالْتِزَامُ شَرَائِعِهِ؛ فَسَمَّاهُ مُؤْمِنًا لِأَنَّهُ فَعَلَ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ.
وَهَذَا كَمَا أَنَّهُ قَدْ كَانَ بِمَكَّةَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يَسْتَخْفُونَ