فَنَقُولُ: النَّاسُ قَدْ تَكَلَّمُوا فِي تَصْوِيبِ الْمُجْتَهِدِينَ وَتَخْطِئَتِهِمْ وَتَأْثِيمِهِمْ وَعَدَمِ تَأْثِيمِهِمْ فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ. وَنَحْنُ نَذْكُرُ أُصُولًا جَامِعَةً نَافِعَةً.
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ: أَنَّهُ هَلْ يُمْكِنُ كُلَّ أَحَدٍ أَنْ يَعْرِفَ بِاجْتِهَادِهِ الْحَقَّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِيهَا نِزَاعٌ؟ وَإِذَا لَمْ يُمْكِنْهُ فَاجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فَلَمْ يَصِلْ إِلَى الْحَقِّ، بَلْ قَالَ مَا اعْتَقَدَ أَنَّهُ هُوَ الْحَقُّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَلَمْ يَكُنْ هُوَ الْحَقَّ (?) فِي نَفْسِ الْأَمْرِ: هَلْ يَسْتَحِقُّ أَنْ يُعَاقَبَ أَمْ لَا؟ .
هَذَا أَصْلُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ، وَلِلنَّاسِ فِي هَذَا الْأَصْلِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ ; كُلُّ قَوْلِ عَلَيْهِ طَائِفَةٌ مِنَ النُّظَّارِ.
الْأَوَّلُ: قَوْلُ مَنْ يَقُولُ: إِنَّ اللَّهَ قَدْ نَصَبَ عَلَى الْحَقِّ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ دَلِيلًا يُعْرَفُ بِهِ، يُمْكِنُ كُلَّ مَنِ اجْتَهَدَ وَاسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ أَنْ يَعْرِفَ الْحَقَّ، وَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ فِي مَسْأَلَةٍ أُصُولِيَّةٍ أَوْ فُرُوعِيَّةٍ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتَفْرِيطِهِ فِيمَا يَجِبُ عَلَيْهِ، لَا لِعَجْزِهِ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عَنِ الْقَدَرِيَّةِ وَالْمُعْتَزِلَةِ: وَهُوَ قَوْلٌ (?) طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ غَيْرِ هَؤُلَاءِ.
ثُمَّ قَالَ هَؤُلَاءِ: أَمَّا الْمَسَائِلُ الْعِلْمِيَّةُ فَعَلَيْهَا أَدِلَّةٌ قَطْعِيَّةٌ تُعْرَفُ بِهَا، فَكُلُّ مَنْ لَمْ يَعْرِفْهَا فَإِنَّهُ لَمْ يَسْتَفْرِغْ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ فَيَأْثَمُ.
وَأَمَّا الْمَسَائِلُ الْعَمَلِيَّةُ الشَّرْعِيَّةُ فَلَهُمْ فِيهَا مَذْهَبَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهَا كَالْعِلْمِيَّةِ، وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ مَسْأَلَةٍ دَلِيلٌ قَطْعِيٌّ، مَنْ خَالَفَهُ فَهُوَ آثِمٌ. وَهَؤُلَاءِ