وَأَسَاطِينُ الْفَلَاسِفَةِ قَبْلَ أَرِسْطُو لَمْ يَكُونُوا يَقُولُونَ بِقِدَمِ الْعَالَمِ، بَلْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِأَنَّ الْأَفْلَاكَ مُحْدَثَةٌ كَائِنَةٌ بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ مَعَ نِزَاعٍ مُنْتَشِرٍ لَهُمْ فِي الْمَادَّةِ - فَالْمَقْصُودُ (?) هُنَا أَنَّ هَؤُلَاءِ مَعَ مَا فِيهِمْ مِنَ الضَّلَالِ لَمْ يَرْضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَجْعَلُوا الْمُمْكِنَ الَّذِي يُمْكِنُ وُجُودُهُ وَعَدَمُهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، بَلْ قَالُوا: إِنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا مُحْدَثًا، وَلَا رَضَوْا لِأَنْفُسِهِمْ أَنْ يَقُولُوا: إِنَّ الْمَفْعُولَ الْمَصْنُوعَ الْمُبْدَعَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، وَلَا أَنَّ الْمُرَادَ الَّذِي أَرَادَ الْبَارِيُّ فِعْلَهُ هُوَ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ، فَإِنَّ فَسَادَ هَذِهِ الْأَقْوَالِ ظَاهِرٌ فِي بَدَايِهِ (?) الْعُقُولِ، وَإِنَّمَا أَلْجَأَ إِلَيْهَا مَنْ قَالَهَا مِنْ مُتَأَخِّرِيهِمْ مَا الْتَزَمُوهُ مِنَ الْأَقْوَالِ الْمُتَنَاقِضَةِ الَّتِي أَلْجَأَتْهُمْ إِلَيْهَا.

كَمَا أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ أَلْجَأَتْهُمْ أُصُولٌ لَهُمْ فِيهَا إِلَى أَقْوَالٍ يُعْلَمُ فَسَادُهَا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ مِثْلُ إِرَادَةٍ أَوْ كَلَامٍ لَا فِي مَحَلٍّ، وَمِثْلُ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِالْعَيْنِ يَكُونُ حَقَائِقَ مُتَنَوِّعَةً (?) ، وَمِثْلُ أَمْرٍ سَبَقَ (?) بَعْضُهُ بَعْضًا يَكُونُ قَدِيمَ الْأَعْيَانِ لَمْ يَزَلْ كُلُّ شَيْءٍ مِنْهُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، وَأَمْثَالُ ذَلِكَ.

وَمَا يَذْكُرُهُ الرَّازِيُّ، [وَأَمْثَالُهُ.] (?) فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَغَيْرِهَا مِنْ إِجْمَاعِ الْحُكَمَاءِ كَدَعْوَاهُ إِجْمَاعَهُمْ عَلَى عِلَّةِ الِافْتِقَارِ هِيَ الْإِمْكَانُ، وَأَنَّ الْمُمْكِنَ الْمَعْلُولَ يَكُونُ قَدِيمًا أَزَلِيًّا، فَهُوَ إِنَّمَا يَذْكُرُ مَا وَجَدَهُ فِي كُتُبِ ابْنِ سِينَا، وَيُظَنُّ أَنَّ هَذَا إِجْمَاعُ الْفَلَاسِفَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015