وَرَوَى الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: " «كَأَنِّي بِهِ أَسْوَدَ أَفْحَجَ يَقْلَعُهَا حَجَرًا حَجَرًا» " (?) .
وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ} [سُورَةُ الْمَائِدَةِ: 97] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ تَرَكَ النَّاسُ الْحَجَّ سَنَةً وَاحِدَةً لَمَا نُوظِرُوا. وَقَالَ: لَوِ اجْتَمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنْ لَا يَحُجُّوا لَسَقَطَتِ السَّمَاءُ عَلَى الْأَرْضِ. ذَكَرَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ فِي " الْمَنَاسِكِ " (?) . وَلِهَذَا قَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ: إِنَّ الْحَجَّ كُلَّ عَامٍ فَرْضٌ عَلَى الْكِفَايَةِ.
وَالْمَنْجَنِيقُ إِنَّمَا يُرْمَى بِهِ مَا لَا يُقْدَرُ عَلَيْهِ (?) بِدُونِهِ، كَمَا «رَمَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَهْلَ الطَّائِفِ بِالْمَنْجَنِيقِ» ، لَمَّا دَخَلُوا حِصْنَهُمْ وَامْتَنَعُوا فِيهِ، وَالَّذِينَ حَاصَرُوا ابْنَ الزُّبَيْرِ لَمَّا اسْتَجَارَ هُوَ وَأَصْحَابُهُ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ رَمَوْهُمْ بِالْمَنْجَنِيقِ، حَيْثُ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ بِدُونِهِ. وَلَمَّا قُتِلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ دَخَلُوا بَعْدَ هَذَا إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَطَافُوا بِالْكَعْبَةِ، وَحَجَّ الْحَجَّاجُ بْنُ يُوسُفَ ذَلِكَ الْعَامَ بِالنَّاسِ، وَأَمَرَهُ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ أَنْ لَا يُخَالِفُ ابْنَ عُمَرَ فِي أَمْرِ الْحَجِّ.
فَلَوْ كَانَ قَصْدُهُمْ بِالْكَعْبَةِ شَرًّا لَفَعَلُوا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ تَمَكَّنُوا مِنْهَا، كَمَا أَنَّهُمْ لَمَّا تَمَكَّنُوا مِنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ قَتَلُوهُ.