وَمَنْ لَمْ يُجَوِّزِ الْقِتَالَ إِلَّا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ، لَا عَلَى تَرْكِ طَاعَةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ، لَمْ يُجَوِّزْ قِتَالَ هَؤُلَاءِ.
وَفِي الْجُمْلَةِ فَالَّذِينَ قَاتَلَهُمُ الصِّدِّيقُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانُوا مُمْتَنِعِينَ عَنْ طَاعَةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (?) .
وَالْإِقْرَارِ بِمَا جَاءَ بِهِ، فَلِهَذَا كَانُوا مُرْتَدِّينَ، بِخِلَافِ مَنْ أَقَرَّ بِذَلِكَ وَلَكِنِ امْتَنَعَ عَنْ طَاعَةِ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ كَمُعَاوِيَةَ وَأَهْلِ الشَّامِ ; فَإِنَّ هَؤُلَاءِ كَانُوا مُقِرِّينَ بِجَمِيعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ، وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ، وَقَالُوا: نَحْنُ نَقُومُ بِالْوَاجِبَاتِ مِنْ غَيْرِ دُخُولٍ فِي طَاعَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لِمَا عَلَيْنَا فِي ذَلِكَ مِنَ الضَّرَرِ، فَأَيْنَ هَؤُلَاءِ مِنْ هَؤُلَاءِ؟ .
وَاعْلَمْ أَنَّ طَائِفَةً مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ جَعَلُوا قِتَالَ مَانِعِي الزَّكَاةِ وَقِتَالَ الْخَوَارِجِ جَمِيعًا مِنْ قِتَالِ الْبُغَاةِ، وَجَعَلُوا قِتَالَ الْجَمَلِ وَصِفِّينَ مِنْ هَذَا الْبَابِ. وَهَذَا الْقَوْلُ خَطَأٌ مُخَالِفٌ لِقَوْلِ الْأَئِمَّةِ الْكِبَارِ، وَهُوَ خِلَافُ نَصِّ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ وَأَبِي حَنِيفَةَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ أَئِمَّةِ السَّلَفِ، وَمُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ الثَّابِتَةِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ; فَإِنَّ الْخَوَارِجَ أَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقِتَالِهِمْ، وَاتَّفَقَ عَلَى ذَلِكَ الصَّحَابَةُ. وَأَمَّا الْقِتَالُ بِالْجَمَلِ وَصِفِّينَ (?) .
فَهُوَ قِتَالُ فِتْنَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَلَا إِجْمَاعٌ مِنَ الصَّحَابَةِ. وَأَمَّا قِتَالُ مَانِعِي الزَّكَاةِ إِذَا كَانُوا مُمْتَنِعِينَ عَنْ أَدَائِهَا بِالْكُلِّيَّةِ، أَوْ عَنِ (?) . .
الْإِقْرَارِ بِهَا ; فَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ قِتَالِ الْخَوَارِجِ.