فَحَقِيقَةُ قَوْلِهِمْ فِي جَمِيعِ الْحَوَادِثِ مِنْ جِنْسِ قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ فِي فِعْلِ الْحَيَوَانِ.

وَلِهَذَا اضْطُرَّ (?) ابْنُ سِينَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ إِلَى جَعْلِ الْحَرَكَةِ لَيْسَتْ شَيْئًا يَحْدُثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، بَلْ هُوَ أَمْرٌ وَاحِدٌ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا، كَمَا قَدْ (?) ذَكَرْنَا أَلْفَاظَهُ، وَبَيَّنَّا فَسَادَهَا، وَأَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَلْزَمَهُ أَنَّهُ (?) يَحْدُثُ عَنِ الْعِلَّةِ التَّامَّةِ حَادِثٌ بَعْدَ حَادِثٍ، فَخَالَفَ صَرِيحَ الْعَقْلِ، وَالْحِسِّ فِي حُدُوثِ الْحَرَكَةِ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِيَسْلَمَ لَهُ مَا ادَّعَاهُ مِنْ أَنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ لَمْ يُحْدِثْ شَيْئًا ; لِأَنَّهُ عِنْدَهُ عِلَّةٌ تَامَّةٌ، وَقَدِ اعْتَرَفَ حُذَّاقُهُمْ بِفَسَادِ قَوْلِهِمْ.

[مقالة ابن ملكا والرد عليها]

وَأَمَّا مَنْ قَالَ مِنْهُمْ بِقِيَامِ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ بِهِ - كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَأَمْثَالِهِ - فَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّهُ مُوجِبٌ بِذَاتِهِ لِلْأَفْلَاكِ، وَمُوجِبٌ لِلْحَوَادِثِ الْمُتَعَاقِبَةِ فِيهِ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ.

فَيُقَالُ لِهَؤُلَاءِ أَوَّلًا مِنْ جِنْسِ مَا قِيلَ لِإِخْوَانِهِمْ، وَالْحُجَّةُ إِلَيْهِمْ أَقْرَبُ، فَإِنَّهُمْ أَقْرَبُ إِلَى الْحَقِّ، فَيُقَالُ لَهُمْ: إِذَا جَازَ أَنْ يُحْدِثَ الْحَوَادِثَ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ [شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ] (?) ، فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْأَفْلَاكُ حَادِثَةً بَعْدَ أَنْ لَمْ تَكُنْ لِمَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْإِرَادَاتِ الْمُتَعَاقِبَةِ؟ .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015