اجْتِمَاعُ الْأَدِلَّةِ يُوجِبُ قُوَّةَ الْعِلْمِ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَخْلُفُ الْآخَرَ إِذَا عَزَبَ (?) الْآخَرُ عَنِ الذِّهْنِ.
وَلَكِنَّ مَعَ كَوْنِ أَحَدٍ مِنَ الْعُقَلَاءِ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّهُ قَالَ: هَذَا، وَمَعَ كَوْنِ نَقِيضِهِ [مِمَّا] (?) يُعْلَمُ بِالسَّمْعِ، فَنَحْنُ نَذْكُرُ دَلَالَةَ الْعَقْلِ عَلَى فَسَادِهِ أَيْضًا، فَنَقُولُ:
كَمَا أَنَّهُ مَا يَثْبُتُ قِدَمُهُ امْتَنَعَ عَدَمُهُ، فَمَا جَازَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَامْتَنَعَ عَدَمُهُ، وَالتَّقْدِيرُ أَنَّهُ جَائِزُ الْعَدَمِ، فَيَمْتَنِعُ قِدَمُهُ، وَمَا جَازَ حُدُوثُهُ لَمْ يَمْتَنِعْ عَدَمُهُ، بَلْ جَازَ عَدَمُهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ مَا جَازَ عَدَمُهُ امْتَنَعَ قِدَمُهُ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَدِيمًا لَمْ يَجُزْ عَدَمُهُ، بَلِ امْتَنَعَ عَدَمُهُ.
وَتِلْكَ الْمُقَدِّمَةُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهَا بَيْنَ النُّظَّارِ مُتَكَلِّمِهِمْ، وَمُتَفَلْسِفِهِمْ وَغَيْرِهِمْ، وَبَيَانُ صِحَّتِهَا: أَنَّ مَا يَثْبُتُ قِدَمُهُ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، فَالْقَدِيمُ بِنَفْسِهِ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، وَالْقَدِيمُ بِغَيْرِهِ وَاجِبٌ بِغَيْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَ كُلُّ مَنْ قَالَ: إِنَّ الْعَالَمَ أَوْ شَيْئًا مِنْهُ قَدِيمٌ، فَلَا بُدَّ مِنْ أَنْ يَقُولَ هُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ، أَوْ بِغَيْرِهِ، وَلَا يُمْكِنُهُ مَعَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ: لَيْسَ هُوَ بِوَاجِبٍ بِنَفْسِهِ، وَلَا بِغَيْرِهِ، فَإِنَّ الْقَدِيمَ بِنَفْسِهِ لَوْ لَمْ يَكُنْ وَاجِبًا بِنَفْسِهِ لَكَانَ مُمْكِنًا مُفْتَقِرًا إِلَى غَيْرِهِ، فَإِنْ كَانَ مُحْدَثًا لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا، وَإِنْ كَانَ قَدِيمًا بِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ قَدِيمًا بِنَفْسِهِ، وَقَدْ فُرِضَ أَنَّهُ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ، فَثَبَتَ أَنَّ مَا هُوَ قَدِيمٌ بِنَفْسِهِ، فَهُوَ وَاجِبٌ بِنَفْسِهِ.
وَأَمَّا الْقَدِيمُ بِغَيْرِهِ، فَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: يَمْتَنِعُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ قَدِيمًا بِفَاعِلٍ، وَمَنْ جَوَّزَ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يَقُولُ: قَدِيمٌ بِقِدَمِ مُوجِبِهِ الْوَاجِبِ بِنَفْسِهِ،