يُقَالَ: يُمْكِنُ حُدُوثُ الْحَوَادِثِ بِلَا سَبَبٍ حَادِثٍ ; لِأَنَّ [الْفَاعِلَ] الْقَادِرَ الْمُخْتَارَ (?) يُرَجِّحُ أَحَدَ مَقْدُورَيْهِ عَلَى الْآخَرِ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَيُمْكِنُ مَعَ ذَلِكَ قِدَمُ الْعَالَمِ بِأَنْ يَكُونَ الْمُخْتَارُ رُجِّحَ قِدَمُهُ بِلَا مُرَجِّحٍ - فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ لِظُهُورِ بُطْلَانِهِ لَمْ يَقُلْهُ أَحَدٌ مِنَ الْعُقَلَاءِ فِيمَا نَعْلَمُ ; لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَيْنِ كُلٍّ مِنْهُمَا بَاطِلَةٌ فِي نَظَرِ (?) الْعُقُولِ - وَإِنْ كَانَ مِنَ الْعُقَلَاءِ مَنِ الْتَزَمَ بَعْضَهُمَا (?) ، فَلَا يُعْرَفُ مَنِ الْتَزَمَهُمَا مَعًا (?) .
إِحْدَاهُمَا: كَوْنُ الْفَاعِلِ الْمُخْتَارِ يُرَجِّحُ بِلَا سَبَبٍ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ فَسَادَ هَذَا مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ [هُوَ] (?) قَطْعِيٌّ غَيْرُ ضَرُورِيٍّ.
وَالثَّانِيَةُ: كَوْنُ الْقَادِرِ الْمُخْتَارِ يَكُونُ فِعْلُهُ مُقَارِنًا لَهُ لَا يُحْدِثُ شَيْئًا بَعْدَ شَيْءٍ، فَإِنَّ هَذَا أَيْضًا مِمَّا يَقُولُ الْعُقَلَاءُ، - أَوْ جُمْهُورُهُمْ -: إِنَّ فَسَادَهُ مَعْلُومٌ بِالضَّرُورَةِ، أَوْ قَطْعًا، بَلْ جُمْهُورُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّ مَفْعُولَ الْفَاعِلِ لَا يَكُونُ مُقَارِنًا لَهُ أَبَدًا.
ثُمَّ مِنَ النُّظَّارِ مَنْ قَالَ بِإِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ دُونَ الْأُخْرَى، فَالْقَدَرِيَّةُ وَبَعْضُ الْجَهْمِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى، وَبَعْضُ الْجَبْرِيَّةِ يَقُولُونَ بِالْأُولَى فِي حَقِّ الرَّبِّ دُونَ الْعَبْدِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلَمْ يَقُلْ بِهَا إِلَّا مَنْ جَعَلَ الْفَاعِلَ مُرِيدًا، أَوْ جَعَلَ (?) بَعْضُ الْعَالَمِ قَدِيمًا كَأَبِي الْبَرَكَاتِ وَنَحْوِهِ.