الْمَالِكَ إِنْ كَانَ مُتَأَوِّلًا لَا يَعْتَقِدُ غَيْرَ هَذَا الْقَوْلِ، لَمْ يَكُنْ ظَالِمًا، وَلَمْ تَجُزْ مُقَاتَلَتُهُ، بَلْ إِذَا تَنَازَعَا تَرَافَعَا (?) إِلَى مَنْ يَفْصِلُ بَيْنَهُمَا، إِذَا كَانَ اعْتِقَادُ هَذَا أَنَّ هَذِهِ الْعَيْنَ مِلْكُهُ، وَاعْتِقَادُ الْآخَرِ أَنَّهَا مِلْكُهُ.
وَأَيْضًا فَقَدْ يُفَرَّقُ بَيْنَ مَنْ غَصَبَ الْحَبَّ ثُمَّ اتَّفَقَ أَنَّهُ طَحَنَهُ، وَبَيْنَ مَنْ قَصَدَ بِطَحْنِهِ تَمَلُّكَهُ (?) ، فَإِنَّ مُعَاقَبَةَ هَذَا بِنَقِيضِ (?) قَصْدِهِ مِنْ بَابِ سَدِّ الذَّرَائِعِ.
وَبِالْجُمْلَةِ فَهَذِهِ الْمَسَائِلُ الَّتِي أَنْكَرَهَا كُلُّهَا مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، لَيْسَ فِيهَا لِغَيْرِهِ إِلَّا مَسْأَلَةُ الْمَخْلُوقَةِ مِنْ مَاءِ (?) الزِّنَا لِلشَّافِعِيِّ.
فَيُقَالُ لَهُ: الشِّيعَةُ تَقُولُ: إِنَّ مَذْهَبَ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ مِنْ بَقِيَّةِ الْمَذَاهِبِ الثَّلَاثَةِ، وَيَقُولُونَ: إِنَّهُ إِذَا اضْطَرَّ الْإِنْسَانُ إِلَى اسْتِفْتَاءِ بَعْضِ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ اسْتَفْتَى الْحَنَفِيَّةَ، وَيُرَجِّحُونَ مُحَمَّدَ بْنَ الْحَسَنِ عَلَى أَبِي يُوسُفَ، فَإِنَّهُمْ لِنُفُورِهِمْ عَنِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ يَنْفِرُونَ عَمَّنْ كَانَ أَكْثَرَ تَمَسُّكًا بِالْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ.
فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ، فَهَذِهِ الشَّنَاعَاتُ فِي مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ، فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ هُوَ الرَّاجِحُ مِنْ مَذَاهِبِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ كَانَ تَكْثِيرُ التَّشْنِيعِ عَلَيْهِ دُونَ غَيْرِهِ تَنَاقُضًا مِنْهُمْ، وَكَانُوا قَدْ رَجَّحُوا مَذْهَبًا وَفَضَّلُوهُ عَلَى غَيْرِهِ، ثُمَّ بَيَّنُوا فِيهِ (?)