وَأَعْمَالَكُمْ كُلَّهَا، لَمْ يَكُنْ هَذَا مُنَاسِبًا، فَإِنَّهُ قَدْ ذَمَّهُمْ عَلَى الْعِبَادَةِ، وَهِيَ مِنْ أَعْمَالِهِمْ، فَلَمْ يَكُنْ فِي ذِكْرِ كَوْنِهِ خَالِقًا لِأَعْمَالِهِمْ مَا يُنَاسِبُ الذَّمَّ بَلْ هُوَ إِلَى الْعُذْرِ أَقْرَبُ.

وَلَكِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ خَالِقٌ لِأَعْمَالِ (?) الْعِبَادِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ، وَهُوَ أَنَّهُ إِذَا خَلَقَ الْمَعْمُولَ الَّذِي عَمِلُوهُ وَهُوَ الصَّنَمُ الْمَنْحُوتُ فَقَدْ خَلَقَ التَّأْلِيفَ الْقَائِمَ بِهِ، وَذَلِكَ مُسَبَّبٌ مِنْ (?) عَمَلِ ابْنِ آدَمَ وَخَالِقُ الْمُسَبَّبِ (?) خَالِقُ السَّبَبِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى.

وَصَارَ هَذَا كَقَوْلِهِ: {وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ} [سُورَةُ يس: 42] .

وَمَعْلُومٌ أَنَّ السُّفُنَ إِنَّمَا يَنْجُرُ (?) خَشَبَهَا وَيَرْكَبُهَا بَنُو آدَمَ، فَالْفُلْكُ مَعْمُولَةٌ لَهُمْ (?) كَمَا هِيَ (?) الْأَصْنَامُ مَعْمُولَةٌ لَهُمْ وَكَذَلِكَ سَائِرُ مَا يَصْنَعُونَهُ مِنَ الثِّيَابِ (?) وَالْأَطْعِمَةِ وَالْأَبْنِيَةِ، فَإِذَا كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ خَلَقَ الْفُلْكَ الْمَشْحُونَ وَجَعَلَ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ وَمِمَّا أَنْعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَى عِبَادِهِ - عُلِمَ أَنَّهُ خَالِقُ أَفْعَالِهِمْ.

وَعَلَى قَوْلِ الْقَدَرِيَّةِ لَمْ يَخْلُقْ إِلَّا الْخَشَبَ الَّذِي يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ سُفُنًا وَغَيْرَ سُفُنٍ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ مُجَرَّدَ خَلْقِ الْمَادَّةِ لَا يُوجِبُ خَلْقَ الصُّورَةِ الَّتِي حَصَلَتْ بِأَفْعَالِ بَنِي آدَمَ إِنْ لَمْ يَكُنْ خَالِقًا (?) لِلصُّورَةِ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015