وَأَمَّا مَنْ قَالَ: الْكَلَامُ يَتَعَلَّقُ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ، فَهَؤُلَاءِ عَامَّتُهُمْ يَقُولُونَ: إِنَّهُ يَتَكَلَّمُ لِحِكْمَةٍ وَيَفْعَلُ لِحِكْمَةٍ، وَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ مُنَزَّهٌ عَنْ فِعْلِ الْقَبِيحِ. وَأَدِلَّةُ هَؤُلَاءِ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلِ (?) الْقَبَائِحِ أَعْظَمُ مِنْ أَدِلَّةِ الْمُعْتَزِلَةِ وَأَقْوَى، فَإِنَّ كُلَّ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلٍ قَبِيحٍ مُنْفَصِلٍ عَنْهُ - فَإِنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنْ فِعْلٍ قَبِيحٍ يَقُومُ بِهِ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى وَالْأَحْرَى، فَإِنَّ كَوْنَ مَا يَقُومُ بِهِ مِنَ الْقَبَائِحِ نَقْصًا هُوَ أَظْهَرُ مِنْ كَوْنِ فِعْلِ الْمُسْتَقْبَحَاتِ الْمُنْفَصِلَةِ نَقْصًا، فَإِذَا امْتَنَعَ هَذَا فَذَاكَ أَوْلَى بِالِامْتِنَاعِ.
[الْوَجْهُ] : السَّادِسُ (?) أَنْ يُقَالَ: الْأَدِلَّةُ الْعَقْلِيَّةُ دَلَّتْ عَلَى امْتِنَاعِ اتِّصَافِهِ سُبْحَانَهُ بِالنَّقَائِصِ وَالْقَبَائِحِ وَإِنَّمَا يَتَّصِفُ بِمَا يَقُومُ بِهِ مِنْهَا. وَالْكَلَامُ قَائِمٌ بِالْمُتَكَلِّمِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَتَكَلَّمَ بِكَذِبٍ ; لِأَنَّ كَلَامَهُ قَائِمٌ بِهِ، فَيَمْتَنِعُ أَنْ يَقُومَ بِهِ الْقَبِيحُ الَّذِي اخْتَارَهُ. وَهَذَا طَرِيقٌ يَخْتَصُّ بِهِ أَهْلُ الْإِثْبَاتِ لِتَنْزِيهِهِ عَنِ الْكَذِبِ. وَالْمُعْتَزِلَةُ لَا يُمْكِنُهُمْ ذَلِكَ ; لِأَنَّ كَلَامَهُ مُنْفَصِلٌ عَنْهُ عِنْدَهُمْ. فَإِذَا قَالَ لَهُمْ [هَؤُلَاءِ] (?) الْمُثْبِتَةُ: الدَّلِيلُ إِنَّمَا دَلَّ عَلَى تَنْزِيهِهِ عَنِ الِاتِّصَافِ فِي نَفْسِهِ بِالْقَبَائِحِ وَعَنْ فِعْلِهِ لَهَا، وَالْفِعْلُ مَا قَامَ بِالْفَاعِلِ، وَأَمَّا الْمُنْفَصِلُ فَهُوَ مَفْعُولٌ لَهُ، لَا فِعْلَ لَهُ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَذْكُرُوا دَلِيلًا عَلَى امْتِنَاعِ وُقُوعِ ذَلِكَ فِي مَفْعُولَاتِهِ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ كَانَتْ (?) حُجَّةُ هَؤُلَاءِ حُجَّةً ظَاهِرَةً عَلَى الْقَدَرِيَّةِ.