يَجْعَلُونَ الرِّضَا وَالْمَحَبَّةَ بِمَعْنَى الْإِرَادَةِ، ثُمَّ قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ النُّفَاةُ: وَالْكُفْرُ وَالْفُسُوقُ وَالْمَعَاصِي لَا يُحِبُّهَا وَلَا يَرْضَاهَا (?) بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ، فَلَا يُرِيدُهَا وَلَا يَشَاؤُهَا (?) .
وَقَالَ هَؤُلَاءِ الْمُثْبِتَةُ: هُوَ شَاءَ ذَلِكَ بِالنَّصِّ وَإِجْمَاعِ السَّلَفِ، فَيَكُونُ قَدْ أَحَبَّهُ وَرَضِيَهُ وَأَرَادَهُ. وَأَمَّا جُمْهُورُ النَّاسِ فَيُفَرِّقُونَ بَيْنَ الْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ (?) وَبَيْنَ الْمَحَبَّةِ وَالرِّضَا، كَمَا يُوجَدُ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا فِي النَّاسِ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يُرِيدُ شُرْبَ الدَّوَاءِ وَنَحْوِهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْكَرِيهَةِ الَّتِي يُبْغِضُهَا وَلَا يُحِبُّهَا، وَيُحِبُّ أَكْلَ (?) الْأَشْيَاءِ الَّتِي يَشْتَهِيهَا، كَاشْتِهَاءِ الْمَرِيضِ لِمَا حُمِيَ عَنْهُ (?) ، وَاشْتِهَاءِ الصَّائِمِ الْمَاءَ الْبَارِدَ مَعَ عَطَشِهِ وَلَا يُرِيدُ فِعْلَ ذَلِكَ (?) ، فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ يُحِبُّ مَا لَا يُرِيدُهُ وَيُرِيدُ مَا لَا يُحِبُّهُ (?) ، وَذَلِكَ أَنَّ الْمُرَادَ قَدْ يُرَادُ لِغَيْرِهِ، فَيُرِيدُ الْأَشْيَاءَ الْمَكْرُوهَةَ لِمَا فِي عَاقِبَتِهَا مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَحْبُوبَةِ (?) وَيَكْرَهُ فِعْلَ بَعْضِ مَا يُحِبُّهُ (?) لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مَا يُبْغِضُهُ.
وَاللَّهُ تَعَالَى لَهُ الْحِكْمَةُ (?) فِيمَا يَخْلُقُهُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ