الْقَادِرُ الْمُخْتَارُ يُرَجِّحُ أَحَدَ طَرَفَيْ مَقْدُورِهِ (?) بِلَا مُرَجِّحٍ، وَفَرَّقُوا بَيْنَ الْقَادِرِ وَغَيْرِهِ كَمَا قَالَتِ الْقَدَرِيَّةُ، وَقَدْ يُفَرِّقُونَ (?) بَيْنَ فِعْلِ الرَّبِّ وَفِعْلِ الْعَبْدِ بِأَنَّ الرَّبَّ يُرَجِّحُ بِمَشِيئَتِهِ (?) الْقَدِيمَةِ الَّتِي هِيَ مِنْ لَوَازِمِ ذَاتِهِ، بِخِلَافِ الْعَبْدِ فَإِنَّ إِرَادَتَهُ حَادِثَةٌ مِنْ غَيْرِهِ.
وَلَكِنْ قَالَ أَكْثَرُ النَّاسِ: هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّ الْإِرَادَةَ الْقَدِيمَةَ الْأَزَلِيَّةَ هِيَ الْمُرَجِّحَةُ مِنْ غَيْرِ تَجَدُّدِ شَيْءٍ قَوْلُهُمْ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِمْ، فَإِنَّ الْإِرَادَةَ نِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ مَا يُقَدَّرُ وَقْتًا لِلْحَوَادِثِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَنِسْبَتُهَا إِلَى جَمِيعِ الْمُمْكِنَاتِ نِسْبَةٌ وَاحِدَةٌ، فَتَرَجَّحَ أَحَدُ الْمُتَمَاثِلَيْنِ عَلَى الْآخَرِ تَرْجِيحًا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَإِذَا قُدِّرَ حَالُ الْفَاعِلِ قَبْلَ الْفِعْلِ وَحِينَ الْفِعْلِ سَوَاءً، ثُمَّ قُدِّرَ اخْتِصَاصُ أَحَدِ الْحَالَيْنِ بِالْفِعْلِ لَزِمَ التَّرْجِيحُ بِلَا مُرَجِّحٍ، وَهَذَا مُنْتَهَى نَظَرِ هَؤُلَاءِ الطَّوَائِفِ.
وَلِهَذَا كَانَ مَنْ لَمْ يَعْرِفْ كَلَامَهُمْ كَالرَّازِيِّ وَأَمْثَالِهِ مُتَرَدِّدِينَ (?) بَيْنَ عِلَّةِ الدَّهْرِيَّةِ وَقَادِرِ الْقَدَرِيَّةِ وَمُرِيدِ الْكُلَّابِيَّةِ، (?) لَا يَجْعَلُونَ الرَّبَّ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ وَقُدْرَتِهِ (?) . وَلَمَّا كَانَتِ الْجَهْمِيَّةُ وَالْقَدَرِيَّةُ بِهَذِهِ الْحَالِ [لَا يَجْعَلُونَ الرَّبَّ قَادِرًا فِي الْأَزَلِ عَلَى الْفِعْلِ وَالْكَلَامِ بِمَشِيئَتِهِ] (?) جَعَلَتْ (?) الْفَلَاسِفَةُ الدَّهْرِيَّةُ كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ (?) هَذَا (?) عُمْدَتَهُمْ فِي امْتِنَاعِ حُدُوثِ الْعَالَمِ