وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذَا إِنَّمَا يَلْزَمُ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْعَبْدَ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى أَفْعَالِهِ الِاخْتِيَارِيَّةِ، وَلَيْسَ هَذَا قَوْلُ إِمَامٍ مَعْرُوفٍ وَلَا طَائِفَةٍ مَعْرُوفَةٍ مِنْ طَوَائِفِ أَهْلِ السُّنَّةِ (?) ، بَلْ وَلَا مِنْ طَوَائِفِ الْمُثْبِتِينَ لِلْقَدَرِ، إِلَّا مَا يُحْكَى (?) عَنِ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ وَغُلَاةِ الْمُثْبِتَةِ أَنَّهُمْ سَلَبُوا الْعَبْدَ قُدْرَتَهُ، وَقَالُوا: إِنَّ حَرَكَتَهُ كَحَرَكَةِ الْأَشْجَارِ بِالرِّيَاحِ، إِنْ صَحَّ النَّقْلُ عَنْهُمْ (?) .
وَأَشَدُّ الطَّوَائِفِ قُرْبًا مِنْ هَؤُلَاءِ هُوَ الْأَشْعَرِيُّ وَمَنْ وَافَقَهُ مِنَ الْفُقَهَاءِ مِنْ (?) أَصْحَابِ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَدَ وَغَيْرِهِمْ، وَهُوَ مَعَ هَذَا يُثْبِتُ لِلْعَبْدِ قُدْرَةً مُحْدَثَةً وَاخْتِيَارًا، وَيَقُولُ إِنَّ الْفِعْلَ كَسْبٌ لِلْعَبْدِ، لَكِنَّهُ يَقُولُ: لَا تَأْثِيرَ لِقُدْرَةِ الْعَبْدِ فِي إِيجَادِ الْمَقْدُورِ.
فَلِهَذَا قَالَ مَنْ قَالَ: إِنَّ هَذَا الْكَسْبَ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْأَشْعَرِيُّ غَيْرُ مَعْقُولٍ. وَجُمْهُورُ أَهْلِ الْإِثْبَاتِ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ فَاعِلٌ لِفِعْلِهِ حَقِيقَةً (?) ، وَلَهُ قُدْرَةٌ وَاخْتِيَارٌ، وَقُدْرَتُهُ مُؤَثِّرَةٌ فِي مَقْدُورِهَا، كَمَا تُؤَثِّرُ الْقُوَى وَالطَّبَائِعُ (?) وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الشُّرُوطِ وَالْأَسْبَابِ.