بِهِ هَذَا، فَإِنَّ جَمِيعَ النَّاسِ قَبْلَ الْفِعْلِ لَيْسَ مَعَهُمُ الْقُدْرَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْفِعْلِ، فَلَا يُخْتَصُّ بِذَلِكَ الْعُصَاةُ، بَلِ الْمُرَادُ أَنَّهُمْ يَكْرَهُونَ سَمَاعَ الْحَقِّ كَرَاهَةً شَدِيدَةً لَا تَسْتَطِيعُ أَنْفُسُهُمْ [مَعَهَا] سَمَاعَهُ (?) . لِبُغْضِهِمْ لِذَلِكَ (?) لَا لِعَجْزِهِمْ عَنْهُ، كَمَا أَنَّ الْحَاسِدَ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِحْسَانَ إِلَى الْمَحْسُودِ لِبُغْضِهِ لَا لِعَجْزِهِ عَنْهُ (?) .
وَعَدَمُ هَذِهِ الِاسْتِطَاعَةِ لَا يَمْنَعُ (?) الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ الْإِنْسَانَ بِمَا يَكْرَهُهُ، وَيَنْهَاهُ عَمَّا يُحِبُّهُ. كَمَا قَالَ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ} [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 216] ، وَقَالَ: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى} [سُورَةُ النَّازِعَاتِ: 40] ، وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى فِعْلِ ذَلِكَ إِذَا أَرَادَهُ (?) ، وَعَلَى تَرْكِ مَا نَهَى عَنْهُ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْمَأْمُورِ بِهِ أَنْ يَكُونَ (?) الْعَبْدُ مُرِيدًا لَهُ، وَلَا مِنْ شَرْطِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ كَارِهًا لَهُ، فَإِنَّ الْفِعْلَ يَتَوَقَّفُ عَلَى الْقُدْرَةِ وَالْإِرَادَةِ (?) ، وَالْمَشْرُوطُ فِي التَّكْلِيفِ أَنْ يَكُونَ الْعَبْدُ قَادِرًا عَلَى الْفِعْلِ لَا أَنْ يَكُونَ مُرِيدًا لَهُ، لَكِنَّهُ لَا يُوجَدُ إِلَّا إِذَا كَانَ مُرِيدًا لَهُ، فَالْإِرَادَةُ (?) شَرْطٌ فِي وُجُودِهِ لَا فِي وُجُوبِهِ.
الْوَجْهُ الثَّالِثُ: (?) أَنَّ تَكْلِيفَ مَا لَا يُطَاقُ إِذَا فُسِّرَ بِأَنَّهُ الْفِعْلُ الَّذِي لَيْسَ لَهُ