فَتَبَيَّنَ أَنَّ آدَمَ احْتَجَّ عَلَى مُوسَى بِالْقَدَرِ مِنْ جِهَةِ الْمُصِيبَةِ الَّتِي لَحِقَتْهُ وَلَحِقَتِ الذَّرِّيَّةَ، وَالْمُصِيبَةُ تُورِثُ نَوْعًا مِنَ الْجَزَعِ يَقْتَضِي لَوْمَ مَنْ كَانَ سَبَبَهَا، فَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ هَذِهِ الْمُصِيبَةَ وَسَبَبَهَا كَانَ مَقْدُورًا مَكْتُوبًا، وَالْعَبْدُ مَأْمُورٌ أَنْ يَصْبِرَ عَلَى قَدَرِ اللَّهِ وَيُسَلِّمَ لِأَمْرِ اللَّهِ (?) فَإِنَّ هَذَا مِنْ جُمْلَةِ مَا أَمَرَهُ (?) اللَّهُ بِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ} [سُورَةُ التَّغَابُنِ: 11] قَالَتْ (?) طَائِفَةٌ مِنَ السَّلَفِ كَابْنِ مَسْعُودٍ: هُوَ الرَّجُلُ تُصِيبُهُ الْمُصِيبَةُ فَيَعْلَمُ أَنَّهَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ فَيَرْضَى وَيُسَلِّمُ.

[فَهَذَا الْكَلَامُ الَّذِي قَالَهُ هَذَا الْمُصَنِّفُ وَأَمْثَالُ] هَذَا الْكَلَامِ يُقَالُ لِمَنِ احْتَجَّ بِالْقَدَرِ (?) عَلَى الْمَعَاصِي، ثُمَّ يَعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْحُجَّةَ بَاطِلَةٌ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ مَعَ الْإِيمَانِ بِالْقَدَرِ.

وَبُطْلَانُ هَذِهِ الْحُجَّةِ لَا يَقْتَضِي التَّكْذِيبَ بِالْقَدَرِ، وَذَلِكَ أَنَّ بَنِي آدَمَ مَفْطُورُونَ عَلَى احْتِيَاجِهِمْ إِلَى جَلْبِ (?) الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ، لَا يَعِيشُونَ وَلَا يَصْلُحُ لَهُمْ دِينٌ وَلَا دُنْيَا إِلَّا بِذَلِكَ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَأْتَمِرُوا (?) وَإِنَّمَا فِيهِ تَحْصِيلُ (?) مَنَافِعِهِمْ وَدَفْعُ مَضَارِّهِمْ، سَوَاءٌ بُعِثَ إِلَيْهِمْ رَسُولٌ أَوْ لَمْ يُبْعَثْ، لَكِنْ عِلْمَهُمْ بِالْمَنَافِعِ وَالْمَضَارِّ بِحَسَبِ عُقُولِهِمْ وَقُصُودِهِمْ، وَالرُّسُلُ (?) صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015