وَالنِّزَاعُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَصْحَابِ أَحْمَدَ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (?) مَالِكٍ، وَبَيْنَ أَصْحَابِ (?) الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ فَيَقُولُونَ بِالتَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ، وَهُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الطَّوَائِفِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وَغَيْرِهِمْ، وَفِي الْحَقِيقَةِ فَهَذَا النِّزَاعُ (?) يَرْجِعُ إِلَى الْمُلَاءَمَةِ وَالْمُنَافَرَةِ (?) ، وَالْمُنَفِّعَةِ وَالْمُضِرَّةِ، فَإِنَّ الذَّمَّ وَالْعِقَابَ مِمَّا يَضُرُّ الْعَبْدَ وَلَا يُلَائِمُهُ، فَلَا يَخْرُجُ الْحُسْنُ (?) وَالْقُبْحُ عَنْ حُصُولِ الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، فَالْحَسَنُ مَا حَصَّلَ الْمَحْبُوبَ الْمَطْلُوبَ الْمُرَادَ لِذَاتِهِ (?) ، وَالْقَبِيحُ مَا حَصَّلَ الْمَكْرُوهَ الْبَغِيضَ، فَإِذَا كَانَ الْحَسَنُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَحْبُوبِ، وَالْقَبِيحُ يَرْجِعُ إِلَى الْمَكْرُوهِ، بِمَنْزِلَةِ النَّافِعِ وَالضَّارِّ، وَالطَّيِّبِ وَالْخَبِيثِ، وَلِهَذَا يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الْأَحْوَالِ، فَكَمَا أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَكُونُ نَافِعًا إِذَا صَادَفَ حَاجَةً، وَيَكُونُ ضَارًّا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ، كَذَلِكَ الْفِعْلُ كَأَكْلِ الْمَيْتَةِ يَكُونُ قَبِيحًا تَارَةً وَيَكُونُ حَسَنًا أُخْرَى.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهَذَا الْأَمْرُ لَا يَخْتَلِفُ، سَوَاءً كَانَ الْعَبْدُ هُوَ الْفَاعِلُ (?) بِغَيْرِ أَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ الْقُدْرَةَ وَالْإِرَادَةَ، أَوْ بِأَنْ يَخْلُقَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ، كَمَا فِي سَائِرِ مَا هُوَ نَافِعٌ وَضَارٌّ وَمَحْبُوبٌ وَمَكْرُوهٌ.
وَقَدْ دَلَّتِ الدَّلَائِلَ الْيَقِينِيَّةَ عَلَى أَنَّ كُلَّ حَادِثٍ فَاللَّهُ خَالِقُهُ، وَفِعْلُ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الْحَوَادِثِ، وَكُلُّ مُمْكِنٍ يَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ، فَإِنْ شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَإِنْ لَمْ يَشَأْ