وَقَدْ قَدَّمْنَا فِيمَا مَضَى أَنَّ لَفْظَ " الْجِهَةِ " يُرَادُ بِهِ أَمْرٌ مَوْجُودٌ وَأَمْرٌ مَعْدُومٌ ; فَمَنْ قَالَ: إِنَّهُ فَوْقَ الْعَالَمِ كُلِّهِ، لَمْ يَقُلْ: إِنَّهُ فِي جِهَةٍ مَوْجُودَةٍ، إِلَّا أَنْ يُرَادَ (?) بِالْجِهَةِ (* الْعَرْشُ، وَيُرَادُ بِكَوْنِهِ فِيهَا أَنَّهُ عَلَيْهَا، كَمَا قَدْ (?) قِيلَ فِي قَوْلِهِ: إِنَّهُ فِي السَّمَاءِ، أَيْ عَلَى السَّمَاءِ.
وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَإِذَا كَانَ فَوْقَ الْمَوْجُودَاتِ كُلِّهَا، وَهُوَ غَنِيٌّ عَنْهَا، لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ جِهَةٌ وُجُودِيَّةٌ يَكُنْ فِيهَا، فَضْلًا عَنْ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَيْهَا.
وَإِنْ أُرِيدَ بِالْجِهَةِ *) (?) مَا فَوْقَ الْعَالَمِ، فَذَاكَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، وَلَا هُوَ أَمْرٌ مَوْجُودٌ (?) حَتَّى يُقَالَ: إِنَّهُ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ أَوْ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَيْهِ. وَهَؤُلَاءِ أَخَذُوا لَفْظَ الْجِهَةِ بِالِاشْتِرَاكِ وَتَوَهَّمُوا وَأَوْهَمُوا أَنَّهُ (?) إِذَا كَانَ فِي جِهَةٍ كَانَ فِي [كُلِّ] (?) شَيْءٍ غَيْرِهِ، كَمَا يَكُونُ الْإِنْسَانُ فِي بَيْتِهِ [وَكَمَا يَكُونُ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالْكَوَاكِبُ فِي السَّمَاءِ] (?) ، ثُمَّ رَتَّبُوا عَلَى ذَلِكَ أَنَّهُ يَكُونُ مُحْتَاجًا إِلَى غَيْرِهِ، وَاللَّهُ تَعَالَى غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ مَا سِوَاهُ، وَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ كُلُّهَا بَاطِلَةٌ.
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: " كُلُّ مَا هُوَ فِي جِهَةٍ فَهُوَ مُحْدَثٌ " لَمْ يَذْكُرْ عَلَيْهِ دَلِيلًا، وَغَايَتُهُ (?) مَا تَقَدَّمَ مِنْ أَنَّ [اللَّهَ] (?) لَوْ كَانَ فِي جِهَةٍ لَكَانَ جِسْمًا، وَكُلُّ جِسْمٍ