إِنَّ كَوْنَ الرَّبِّ مُنَزَّهًا عَنِ النَّقْصِ مُتَّصِفًا بِالْكَمَالِ مِمَّا لَا نَعْرِفُهُ بِالْعَقْلِ بَلْ بِالسَّمْعِ، وَهُوَ الْإِجْمَاعُ الَّذِي اسْتَنَدَ إِلَيْهِ.
وَهَؤُلَاءِ لَا يَبْقَى عِنْدَهُمْ طَرِيقٌ عَقْلِيٌّ يُنَزِّهُونَ اللَّهَ تَعَالَى بِهِ عَنْ شَيْءٍ مِنَ النَّقَائِصِ، وَالْإِجْمَاعُ الَّذِي اعْتَمَدُوا عَلَيْهِ إِنَّمَا يَنْفَعُ فِي الْجُمَلِ دُونَ التَّفَاصِيلِ الَّتِي هِيَ (?) مَحَلُّ نِزَاعٍ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ، فَإِنَّهُ يَمْتَنِعُ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْإِجْمَاعِ فِي مَوَارِدِ النِّزَاعِ، ثُمَّ الْإِجْمَاعُ يَسْتَنِدُونَ فِيهِ إِلَى بَعْضِ النُّصُوصِ، وَدَلَالَةُ النُّصُوصِ عَلَى صِفَاتِ الْكَمَالِ أَظْهَرُ وَأَكْثَرُ وَأَقْطَعُ مِنْ دَلَالَةِ النُّصُوصِ عَلَى كَوْنِ الْإِجْمَاعِ حُجَّةً.
وَإِذَا عُرِفَ ضَعْفُ أَصُولِ النُّفَاةِ لِلصِّفَاتِ فِيمَا يُنَزِّهُونَ عَنْهُ الرَّبَّ، فَهَؤُلَاءِ الرَّافِضَةُ طَافُوا عَلَى أَبْوَابِ الْمَذَاهِبِ، وَفَازُوا بِأَخَسِّ الْمَطَالِبِ، فَعُمْدَتُهُمْ فِي الْعَقْلِيَّاتِ عَلَى عَقْلِيَّاتٍ بَاطِلَةٍ، وَفِي السَّمْعِيَّاتِ عَلَى سَمْعِيَّاتٍ بَاطِلَةٍ. وَلِهَذَا كَانُوا مِنْ أَضْعَفِ النَّاسِ حُجَّةً وَأَضْيَقِهِمْ مَحَجَّةً، وَكَانَ الْأَكَابِرُ مِنْ أَئِمَّتِهِمْ مُتَّهَمِينَ بِالزَّنْدَقَةِ وَالِانْحِلَالِ، كَمَا يُتَّهَمُ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ أَكَابِرِهِمْ.
وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ هَذَا الْبَابَ تَكَلَّمَ النَّاسُ فِيهِ بِأَلْفَاظٍ مُجْمَلَةٍ مِثْلِ التَّرْكِيبِ وَالِانْقِسَامِ وَالتَّجْزِئَةِ وَالتَّبْعِيضِ وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَالْقَائِلُ إِذَا قَالَ: إِنَّ الرَّبَّ تَعَالَى لَيْسَ بِمُنْقَسِمٍ وَلَا مُتَجَزِّئٍ وَلَا مُتَبَعِّضٍ وَلَا مُرَكَّبٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا إِذَا أُرِيدَ بِهِ مَا هُوَ الْمَعْرُوفُ مِنْ مَعْنَى ذَلِكَ فِي اللُّغَةِ، فَلَا نِزَاعَ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ أَنَّ اللَّهَ مُنَزَّهٌ عَنْ ذَلِكَ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنْ أَجْزَاءٍ مُتَفَرِّقَةٍ، سَوَاءٌ قِيلَ: إِنَّهُ مُرَكَّبٌ بِنَفْسِهِ أَوْ رَكَّبَهُ غَيْرُهُ، وَلَا أَنَّهُ مُرَكَّبٌ يَقْبَلُ