قِيلَ لَهُ: إِنْ أَرَدْتَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا، فَالْمُقَدِّمَةُ الْأُولَى مَمْنُوعَةٌ، وَإِنْ أَرَدْتَ بِهَا أَمْرًا عَدَمِيًّا فَالثَّانِيَةُ مَمْنُوعَةٌ، فَيَلْزَمُ بُطْلَانُ إِحْدَى الْمُقَدِّمَتَيْنِ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، فَتَكُونُ الْحُجَّةُ بَاطِلَةً.
وَذَلِكَ أَنَّهُ إِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا، لَمْ يَلْزَمْ أَنْ يَكُونَ كُلُّ مَرْئِيٍّ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، فَإِنَّ سَطْحَ الْعَالَمِ الَّذِي هُوَ أَعْلَاهُ لَيْسَ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، وَمَعَ هَذَا تَجُوزُ رُؤْيَتُهُ فَإِنَّهُ جِسْمٌ مِنَ الْأَجْسَامِ. فَبَطَلَ قَوْلُهُمْ: كُلُّ مَرْئِيٍّ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِي جِهَةٍ وُجُودِيَّةٍ، (1 إِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا وُجُودِيًّا 1) . (?) وَإِنْ أَرَادَ بِالْجِهَةِ أَمْرًا عَدَمِيًّا مُنِعَ الْمُقَدِّمَةَ الثَّانِيَةَ، فَإِنَّهُ إِذَا قَالَ: الْبَارِي لَيْسَ فِي جِهَةٍ عَدَمِيَّةٍ، وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ الْعَدَمَ لَيْسَ بِشَيْءٍ، كَانَ حَقِيقَةُ قَوْلِهِ: إِنَّ الْبَارِي لَا يَكُونُ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، حَيْثُ لَا مَوْجُودَ إِلَّا هُوَ، وَهَذَا بَاطِلٌ.
وَإِنْ قَالَ: هَذَا يَسْتَلْزِمُ (?) أَنْ يَكُونَ جِسْمًا أَوْ مُتَحَيِّزًا، عَادَ الْكَلَامُ مَعَهُ فِي مُسَمَّى الْجِسْمِ وَالْمُتَحَيِّزِ. (?) فَإِنْ قَالَ: هَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مُرَكَّبًا مِنَ الْجَوَاهِرِ الْمُنْفَرِدَةِ، أَوْ مِنَ الْمَادَّةِ وَالصُّورَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الْمُمْتَنِعَةِ عَلَى الرَّبِّ، لَمْ يُسَلَّمْ لَهُ هَذَا التَّلَازُمُ.
وَإِنْ قَالَ: يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ الرَّبُّ مُشَارًا إِلَيْهِ تُرْفَعُ الْأَيْدِي إِلَيْهِ فِي الدُّعَاءِ (?) ، وَتَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ، وَعُرِجَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ