وَقَدْ تَنَازَعَ الْعُقَلَاءُ أَيْضًا: هَلْ يُمْكِنُ وُجُودُ مَوْجُودٍ قَائِمٍ بِنَفْسِهِ لَا يُشَارُ إِلَيْهِ وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يُرَى، عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ؛ فَقِيلَ: لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ، وَقِيلَ: بَلْ هُوَ مُمْتَنِعٌ فِي الْمُحْدَثَاتِ الْمُمْكِنَةِ الَّتِي تَقْبَلُ الْوُجُودَ وَالْعَدَمَ دُونَ الْوَاجِبِ، وَقِيلَ: بَلْ ذَلِكَ مُمْكِنٌ فِي الْمُمْكِنِ وَالْوَاجِبِ، وَهَذَا قَوْلُ بَعْضِ الْفَلَاسِفَةِ (1 وَمَنْ وَافَقَهُمْ مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ، 1) (?) (2 مَا عَلِمْتُ بِهِ قَائِلًا مِنْ أَهْلِ الْمِلَلِ إِلَّا مَنْ أَخَذَهُ عَنْ هَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ 2) . (?) وَمُثْبِتُو ذَلِكَ يُسَمُّونَهَا الْمُجَرَّدَاتِ وَالْمُفَارَقَاتِ، وَأَكْثَرُ الْعُقَلَاءِ يَقُولُونَ: إِنَّمَا وُجُودُ هَذِهِ فِي الْأَذْهَانِ لَا فِي الْأَعْيَانِ، وَإِنَّمَا يَثْبُتُ مِنْ ذَلِكَ وُجُودُ نَفْسِ الْإِنْسَانِ الَّتِي تُفَارِقُ بَدَنَهُ وَتَتَجَرَّدُ عَنْهُ.
وَأَمَّا الْمَلَائِكَةُ الَّتِي أَخْبَرَتْ بِهَا الرُّسُلَ فَالْمُتَفَلْسِفَةُ الْمُنْتَسِبُونَ إِلَى الْمُسْلِمِينَ يَقُولُونَ: هِيَ الْعُقُولُ وَالنُّفُوسُ الْمُجَرَّدَاتُ وَهِيَ الْجَوَاهِرُ الْعَقْلِيَّةُ.
وَأَمَّا أَهْلُ الْمِلَلِ وَمَنْ عَلِمَ مَا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمَلَائِكَةِ، فَيَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّ الْمَلَائِكَةَ لَيْسَتْ هَذِهِ الْمُجَرَّدَاتِ الَّتِي يُثْبِتُهَا هَؤُلَاءِ، مِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ قَدْ بُسِطَتْ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ؛ فَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ مَخْلُوقُونَ مِنْ نُورٍ، كَمَا أَخْبَرَ بِذَلِكَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ. (?)