فصل
فإن قيل: كل ما جاز في اللغة العربية جاز في القرآن؛ لأنه بلسان عربي مبين.
فالجواب: أن هذه كلية لا تصدق إلا جزئية، وقد أجمع النظار على أن المسوَّرة تكذب لكذب سورها، كما تكذب الموجهة لكذب جهتها. وإيضاح هذا على طريق المناظرة أن القائل به يقول: المجاز جائز في اللغة العربية وكل ما جاز في اللغة العربية فهو جائز في القرآن، ينتج من الشكل الأول: المجاز جائز في القرآن.
فنقول: سلمنا المقدمة الصغرى تسليمًا جدليَّا؛ لأن الكلام على فرض صدقها، وهي قولنا: المجاز جائز في اللغة العربية، ولكن لا نسلم الكبرى التي هي قوله: وكل جائز في اللغة العربية جائز في القرآن، بل نقول بنقيضها، وقد تقرر عند عامة النظار أن نقيضَ الكلية الموجبة جزئية سالبة، فهذه المقدمة التي فيها النزاع وهي قوله: كل جائز في اللغة جائز في القرآن، كلية موجبة منتقضة بصدق نقيضها الذي هو جزئيةٌ سالبة، وهي قولنا: بعض ما يجوز في اللغة ليس بجائز في القرآن، فإذا تحقق صدق هذه الجزئية السالبة تحقق نفي الكلية الموجبة التي هي قوله: كل جائز في اللغة جائز في القرآن، والدليل على صدق الجزئية السالبة التي نقضنا بها كليته الموجبة كثرة وقوع الأشياء المستحسنة في اللغة عند البيانيين، كاستحسان المجاز وهي