الثاني: أن المستدل لجوازه في القرآن يستدل بالكلية الموجبة المتقدمة، وهي قوله: كل جائز في اللغة العربية جائز في القرآن، وليس عنده دليل غير هذا؛ لأن المجاز لم يقل به النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ولا أحد من الصحابة ولا التابعين، وأول من ذكره معمر بن المثنى أبو عبيدة، وقد قدمنا أن وجود مثال واحد صحيح في اللغة العربية دون القرآن تبطل به الكلية الموجبة المذكورة من أصلها كما هو مقرر في محله. مع أن المقدمة الصغرى من هذا الدليل التي هي قوله: المجاز جائز في اللغة، معارَضَة بما تقدم أيضًا، فظهر عدم صحة واحدة من مقدمتي دليله.
وبذلك يظهر عدم صحة نتيجته التي هي قوله: المجاز جائز في القرآن.
واعلم أن المجاز عند الأصوليين ينصرف إلى المجاز المفرد، وفي الغالب لا يذكرون المجاز العقلي ولا المجاز المركب.
فإذا عرفت أن مرادهم بالمجاز هو المجاز المفرد المنقسم إلى استعارة ومجاز مرسل. فاعلم أنه عندهم ثلاثة أقسام:
قسم يجيزه أكثرهم ويمنعه البعض وهو الذي قدمنا منعه مطلقًا عن أبي إسحاق والفارسي، وقد قال بمنعه مطلقًا أبو العباس ابن تيمية والعلامة ابن القيم، وقدمنا منعه في القرآن عن ابن خويز منداد، وابن القاص، وأبي العباس وتلميذه ابن القيم رحمهم الله.
وقسم اختلف فيه القائلون بجواز هذا، وهو حمل اللفظ على حقيقته ومجازه معًا، أو على مجازيه، أو على حقيقته إن كان مشتركًا مجازًا.