ومن ذلك ما يسميه البلاغيون: إيراد الجد في قالب الهزل، كقول الشاعر:
إِذَا ما تَمِيمِيٌّ أتاك مُفاخرًا ... فَقُلْ عدِّ عَنْ ذا كيف أكلك للضَّبِّ
فإن قوله: كيف أكلُكَ للضَّبِّ، يظهر أنه هزل وهو يقصد به تعييرهم بأكلهم الضَّب. وهذا من البديع المعنوي، فهو بديع المعنى، مع أنه لا يجوز في القرآن لاستحالة الهزل فيه، قال تعالى: (إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ (13) وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ (14)) [سورة الطارق: 13-14] .
ومن ذلك حسن التعليل بأنواعه الأربعة المعروفة عند البيانيين، فإنه بديع المعنى عندهم؛ لأنه من البديع المعنوي وهو لا يجوز في القرآن.
وسنذكر لكل قسم منها مثالاً لنطبق عليه الجواز في اللغة والمنع في القرآن.
فمثال الأول من أقسامه قول أبي الطيب:
لم تحكِ نائلَكَ السحابُ وإِنَّما ... حُمَّتْ بهِ فصبيبُها الرُّحضَاء
فهذا بديع معنوي عند أهل البلاغة، ولا يخفى أن القرآن لا يجوز أن يقع فيه مثل هذا الكذب الذي يدعي صاحبه أن السحاب أصابته الحُمَّى من الغيرة من كرم الممدوح، فانصبَّ منه العرق لشدة الغيرة، وأن ماءه هو ذلك العرق الكائن من شدة الغيرة.
وقول أبي هلال العسكري:
زَعَمَ البنفسج أنه كعذاره ... حُسْنًا فسلُّوا مِن قفَاه لسانَه