فإن قلت: ما شرعت إلا بعد الغسل، فسقوطه دليل على سقوطها.

قلت: غسله ليطهره، والشهادة طهرته، فأغنت عن الغسل، كسائر الموتى بعد ما غسلوا.

قوله: (وكل جريح أكل أو شرب) إلى آخره، بيان الارتثاث الذي يخرج به الميت عن حكم الشهادة: وهو أن يأكل طعاماً أو يشرب ماءً أو دواءً، أو ينام أو يعالج بدواء أوي ضمه سقف، بأن نقل إلى تحت بيت أو خيمة، أو ينقل من المعركة حياً، أو يمر عليه وقت صلاة وهو حي يعقل، أو يوصي بأمر دنياوي: فهذه الأشياء تسقط الشهادة، فيغسل، لأنه نال بها مرافق الحياة، فخف أثر الظلم، فلم يكن في معنى شهداء أحد.

وقيد بقوله: (لا لخوف وطء الخيل) لأنه إذا نقل من المعركة حياً لأجل خوف أن تطأه الخيل، لا يخرج عن كونه شهيداً، فلا يغسل، قالوا: لأنه ما نال به مرافق الحياة.

قلت: فيه نظر، لأنا لا نسلم أن الحمل من المصرع ليس بنيل راحة.

قوله: (أو مر عليه وقت صلاة وهي حي يعقل) قول أبي يوسف، وعنه: إن عاش بعد الجرح أكثر اليوم أو أكثر الليلة: يغسل، إقامة للأكثر مقام الكل.

قوله: (أو أوصى بأمر دنياوي) احتراز عما إذا أوصى بأمر أخراوي، فإنه لا يخرجه عن الشهادة، فلا يغسل.

ثم المرتث إذا غسل: فله ثواب الشهيد، كالغريق والحريق والمبطون والغريب، فإنهم يغسلون، وهم شهداء على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم. والله أعلم بالصواب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015