(فهو كفَّارةُ له) استُشكل بأنَّ قتل المرتدِّ على ارتدادِه لا يكون كفارةً، وأجيب: بأن الحديث مخصوصٌ بقولهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ} [النساء: 116]، وحاصل ما ذهبَ إليه أكثرُ الفقهاءِ: أنَّ الحدودَ في غير الشركِ كفارات، وقال قومٌ بالوقفِ لخبر الحاكم: أنَّه - صلى الله عليه وسلم - "قال: لا أدري الحدودُ كفارةٌ لأهلِها، أمْ لَا" (?) وأُجيبُ: بأن خبر الباب أصحُّ إسنادًا، وبأن خبر الحاكم ورد قبل أَنْ يُعلمَ - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ثم أعلَمهُ الله أخيرًا به. (فهو إلى الله) أي: مفوَّضٌ إليه. (إن شاء عفا عنه) بفضلهِ، (وإنْ شاء عاقبه) بعدلهِ، ثم أدخلَهُ الجنَّةَ، وفي ذلك ردٌّ على المعتزلةِ في قولهم: إنَّ صاحبَ الكبيرة إذا ماتَ بغيرِ توبةٍ لا يعُفى عنه، وأنه إذا تاب يجب أنْ يُعفا عنه.
(باب) بالتنوينُ، والسكونُ، والإضافةُ، إِلى جملةِ (منَ الدينِ الفرارُ منَ الفتنِ) لمْ يقلْ منَ الإيمان مِراعاةً للفظِ الحديثِ، والمرادُ: أنَّ الفرار شعبةٌ منْ شعب الإيمان المعبَّرِ عنهُ بالدينِ إذْ الفرارُ ليسَ بدينٍ.
19 - حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْلَمَةَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي صَعْصَعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الجِبَالِ وَمَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ" [3300، 3600، 6495، 7088 - فتح 1/ 69]
(حدثنا عبدُ الله بنُ مَسْلَمَةَ) بفتح الميمِ واللامِ، ابن قعنب الحارثيُّ. (أبي صَعْصَعَةَ) اسمهُ: عمروُ بنُ زيدٍ بن عوفٍ بنِ مبذولٍ بن