إلَّا كَمِصْرِيٍّ يَمُرُّ بِالْحُلَيْفَةِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالْجُحْفَةِ ثُمَّ يَتْرُكُهَا خَلْفَهُ وَيَتَجَاوَزُهَا إلَى جُدَّةَ وَلَمْ يَكُنْ السَّفَرُ فِي عَيْذَابٍ مَعْرُوفًا فِي زَمَنِ الْإِمَامِ وَمَنْ قَبْلَهُ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ أَرْضَ مَجُوسٍ. وَأَمَّا الْيَوْمُ فَمَنْ سَافَرَ فِيهِ فَلَا يُحْرِمُ حَتَّى يَخْرُجَ لِلْبَرِّ إلَّا أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ مِيقَاتِ أَهْلِ الشَّامِ أَوْ الْيَمَنِ فَلَا يُحْرِمُ حَتَّى يَصِلَ مِيقَاتُهُ، وَإِنَّمَا قُلْنَا بِتَأْخِيرِهِ لِلْبَرِّ؛ لِأَنَّ فِي تَقْدِيمِهِ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ تَغْرِيرًا وَارْتِكَابَ خَطَرٍ؛ إذْ رُبَّمَا رَدَّتْهُ الرِّبْحُ فَيَبْقَى مُحْرِمًا عُمْرَهُ وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْحَرَجِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وَمِثْلُ هَذَا لَوْ وَجَبَ لَبَيَّنَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ وَلَمْ يُنْقَلْ عَنْهُمْ فِيهِ شَيْءٌ وَإِذَا ثَبَتَ جَوَازُ التَّأْخِيرِ ثَبَتَ أَنَّهُ لَا دَمَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَدُلَّ دَلِيلٌ عَلَى لُزُومِهِ وَلَا دَلِيلَ.
وَأَمَّا مَنْ سَافَرَ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ فَعَلَيْهِ الدَّمُ بِتَأْخِيرِ الْإِحْرَامِ إلَى جُدَّةَ لِقُدْرَتِهِ عَلَى النُّزُولِ إلَى الْبَرِّ وَالْإِحْرَامِ مِنْ نَفْسِ الْجُحْفَةِ لَكِنْ لِمَضَرَّةِ النُّزُولِ بِمُفَارَقَةِ الرَّحْلِ وَالْخَطَرِ بِخَوْفِ رَدِّ الرِّيحِ إنْ أَحْرَمَ فِي السَّفِينَةِ يُبَاحُ لَهُ تَأْخِيرُ الْإِحْرَامِ لِجُدَّةِ وَعَلَيْهِ الدَّمُ نَظِيرَ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ فَإِنَّهَا تُبَاحُ لِلضَّرُورَةِ مَعَ الدَّمِ. وَحَاصِلُهُ أَنَّ مَنْ فِي بَحْرِ عَيْذَابٍ لَا يُمْكِنُهُ النُّزُولُ لِلْبَرِّ بِالْكُلِّيَّةِ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ عِنْدَ مُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ فَيُؤَخِّرُهُ إلَى جُدَّةَ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ إذْ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا.
وَأَمَّا مَنْ فِي بَحْرِ الْقَلْزَمِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْإِحْرَامُ بِمُحَاذَاةِ الْمِيقَاتِ لِإِمْكَانِ نُزُولِهِ بِالْبَرِّ لَكِنْ لِلْمَشَقَّةِ يَسْقُطُ عَنْهُ الْوَاجِبُ، وَيُرَخَّصُ لَهُ فِي تَأْخِيرِهِ إلَى جُدَّةَ وَعَلَيْهِ الدَّمُ لِتَرْكِ الْوَاجِبِ. الْحَطّ قَبْلَ تَقْيِيدِ سَنَدٍ هَذَا الْقَرَافِيُّ وَابْنُ عَرَفَةَ وَخَلِيلٌ وَابْنِ فَرْحُونٍ وَأَفْتَى بِهِ وَالِدُهُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، وَلَكِنْ الْمُصَنِّفُ مَشَى عَلَى خِلَافِهِ وَرَدَّهُ بِوَلَوْ بِبَحْرٍ وَرَدَّ بِهِ أَيْضًا رِوَايَةَ ابْنِ نَافِعٍ عَنْ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - لَا يُحْرِمُ الْمُسَافِرُ فِي السُّفُنِ فَالْمُبَالَغَةُ فِي حَاذَى فَالْأَوْلَى تَقْدِيمُهَا عَلَى أَوْ مَرَّ وَاسْتَثْنَى مِنْ قَوْلِهِ أَوْ مَرَّ فَقَالَ (إلَّا كَمِصْرِيٍّ) الْكَافُ اسْمٌ بِمَعْنَى مِثْلِ مَدْخَلٍ لِلشَّامِيِّ وَالْمَغْرِبِيِّ وَالرُّومِيِّ وَالسُّودَانِيِّ وَسَائِرِ مَنْ شَارَكَهُمْ فِي مِيقَاتِهِمْ وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَيْنَ الْمِيقَاتِ وَمَكَّةَ وَأَتَى مِنْ وَرَاءِ الْمِيقَاتِ مُرِيدًا الْإِحْرَامَ وَالْمُرُورَ عَلَى مَسْكَنِهِ (يَمُرُّ) نَحْوُ الْمِصْرِيِّ (بِالْحُلَيْفَةِ) وَمَنْ مَسْكَنُهُ بَعْدَ الْمِيقَاتِ إلَى جِهَةِ مَكَّةَ يَمُرُّ بِهِ مُرِيدًا الْمُرُورَ بِالْجُحْفَةِ أَوْ مُحَاذَاتَهَا أَوْ مَسْكَنِهِ أَوْ مُحَاذَاتَهُ.