. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُدْرَى أَذَكَرٌ هُوَ أَمْ أُنْثَى فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ عَلَامَةٍ تُزِيلُ إشْكَالَهُ
السَّادِسُ: فِي أَنَّهُ صِنْفٌ ثَالِثٌ غَيْرُ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى أَوْ هُوَ أَحَدُهُمَا، وَأَشْكَلَ عَلَيْنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى} [النجم: 45] فَلَوْ كَانَ ثَالِثًا لَذَكَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى؛ لِأَنَّ الْآيَةَ لِلِامْتِنَانِ الْعُقْبَانِيُّ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ إنَّمَا سِيقَتْ الْآيَةُ لِلرَّدِّ عَلَى الزَّاعِمِينَ أَنَّ لِلَّهِ تَعَالَى وَلَدًا، فَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ وَلَدًا ذَكَرًا كَالْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَمِنْهُمْ مَنْ زَعَمَ أَنَّ لَهُ بَنَاتٍ، فَرَدَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ بِأَنَّهُ خَلَقَ الصِّنْفَيْنِ فَكَيْفَ يَكُونُ لَهُ مِنْهُمَا وَلَدٌ وَهُوَ الْخَالِقُ، وَلَمْ يَزْعُمْ أَحَدٌ أَنَّ لَهُ وَلَدًا خُنْثَى، فَلَمْ يَحْتَجْ فِي الرَّدِّ عَلَيْهِمْ إلَى ذِكْرِ الْخُنْثَى، وَاسْتَدَلَّ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالا كَثِيرًا وَنِسَاءً} [النساء: 1] ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} [الشورى: 49] ، فَلَوْ كَانَ هُنَاكَ خَلْقٌ ثَالِثٌ لَذُكِرَ.
السَّابِعُ: فِي ذِكْرِ أَوَّلِ مَنْ حَكَمَ فِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ. عَبْدُ الْحَقِّ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ أَوَّلُ مَنْ حَكَمَ فِيهِ عَامِرُ بْنُ الظَّرِبِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَزَلَتْ بِهِ قِصَّتُهُ فَسَهِرَ لَيْلَتَهُ فَقَالَتْ لَهُ خَادِمَتُهُ سُخَيْلَةُ رَاعِيَةُ غَنَمِهِ مَا أَسْهَرَك يَا سَيِّدِي، فَقَالَ لَا تَسْأَلِينِي عَمَّا لَا عِلْمَ لَك بِهِ لَيْسَ هَذَا مِنْ رَعْيِ الْغَنَمِ، فَذَهَبَتْ ثُمَّ عَادَتْ وَأَعَادَتْ السُّؤَالَ فَأَعَادَ جَوَابَهُ، فَرَاجَعَتْهُ وَقَالَتْ لَعَلَّ عِنْدِي مَخْرَجًا فَأَخْبَرَهَا بِمَا نَزَلَ بِهِ مِنْ أَمْرِ الْخُنْثَى، فَقَالَتْ أَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ، فَفَرِحَ وَزَالَ غَمُّهُ. زَادَ الْمُتَيْطِيُّ وَكَانَ الْحُكْمُ إلَيْهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ فَاحْتَكَمُوا إلَيْهِ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى، فَلَمَّا أَخْبَرَتْهُ بِذَلِكَ حَكَمَ بِهِ عَبْدُ الْحَقِّ وَغَيْرُهُ ثُمَّ حَكَمَ بِهِ فِي الْإِسْلَامِ عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -، وَفِي النِّهَايَةِ كَانَ عَامِرٌ حَاكِمُ الْعَرَبِ فَأَتَوْهُ فِي مِيرَاثِ خُنْثَى فَأَقَامُوا عِنْدَهُ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَهُوَ يَذْبَحُ لَهُمْ كُلَّ يَوْمٍ وَلَهُ أَمَةٌ اسْمُهَا سُخَيْلَةُ، فَقَالَتْ إنَّ مُقَامَ هَؤُلَاءِ فِي غَنَمِك، فَقَالَ وَيْحَك لَمْ يَشْكُلُ عَلَيَّ حُكُومَةٌ قَطُّ غَيْرُ هَذَا، فَقَالَتْ أَتْبِعْ الْحُكْمَ الْمَبَالَ فَقَالَ فَرَّجْتهَا يَا سُخَيْلَةُ، فَصَارَ مَثَلًا.
الْأَذْرَعِيُّ فِي ذَلِكَ عِبْرَةٌ وَمُزْدَجَرٌ لِجَهَلَةِ قُضَاةِ الزَّمَانِ وَمُفْتِيهِ، فَإِنَّ هَذَا مُشْرِكٌ تَوَقَّفَ فِي حُكْمِ حَادِثَةٍ أَرْبَعِينَ يَوْمًا وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ، وَفِيهِ عِبْرَةٌ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْحِكْمَةَ قَدْ يَخْلُقُهَا